حسين شبكشي

في لقاء سابق مع القنصل الياباني بالسعودية قال لي: هل تعلم ما أكبر دواعي سرورنا في حضورنا بالسعودية؟ هي ليست معدلات التجارة ومبيعات تويوتا وسوني وبريجستون وغيرها من العلامات التجارية العملاقة والمعروفة لدى المستهلك السعودي، ولكن وجود أكثر من 14 مطعماً يابانياً يقدم السوشي والساشيمي والأسماك الأخرى في العاصمة السعودية الرياض، وهي غير المطلة على البحر، مما يعني تسجيلنا حضوراً من نوع غير اقتصادي... إنه حضور ثقافي وإعجاب في مجتمع مختلف عنا.


اليابان والسعودية علاقة طويلة من الاستثمارات والتبادل التجاري الناجح، فالعلامات اليابانية نالت المكانة المحترمة والتقدير في مجالات متعددة وعبر حقبة غير بسيطة من الزمن. ومن المعلومات غير المعروفة للعامة أن اليابان كانت حاضرة وبقوة في مجال النفط بالسعودية عبر حضور قوي في المنطقة المحايدة بين السعودية والكويت عبر شركة نفطية يابانية لها امتياز التنقيب في هذه المنطقة، والتجربة معها كانت ناجحة جداً. كذلك كان لليابان حضور استثماري في قطاع البنوك التجارية في السعودية عبر شراكة بحصة بسيطة مع أحد البنوك المرخصة في السعودية.
اليوم اليابان لها توجه «استراتيجي» للاستثمار مع السعودية وزيادة حجم التعاون معها، فهي أحد أهم عملاء النفط السعودي ووجهة استثمارية مهمة وتسعى لأن تكون ذات حضور لافت وحيوي في اكتتاب أرامكو القادم بأن تكون لها حصة وصفت بالمهمة والاستراتيجية. واليابان تراقب بشغف وفضول ما تقوم به كل من الصين وكوريا الجنوبية من خطوات وقرارات وسياسات استثمارية مع السعودية، فالغيرة والتنافس بينهم معروفة ومشهودة في محافل عديدة ومختلفة جداً.
اليابان لديها ملف نجاح مع شركات سعودية حتى خارج العلاقة الاستثمارية الجغرافية؛ فهي متعاونة مع شركة عبد اللطيف جميل لتسويق السيارات خارج السعودية، وكذلك في مجال التأمين التجاري، وهناك نماذج أخرى في ذات السياق. واليابان تسعى لإحداث حضور لها في مجال التدريب والتأهيل الذي تقوم به بشكل محدود للآن وترغب في التوسع فيه نظراً للميزة التنافسية والإعجاب الشعبي الكبير باليابان والتجربة الإدارية فيها.
وترغب اليابان أيضاً في تحقيق وجود في منطقة البحر الأحمر لمصالحها التجارية، تماماً مثلما استثمرت الصين كقوة وتركيز في المدينة الاقتصادية بجيزان في السعودية لتكون نقطتها الاستثمارية وبنيتها التحتية، وخصوصاً المتعلقة بالتوجه نحو أفريقيا التي ترغب اليابان في أن تكون مشروع التوسع والنمو الاقتصادي والاستثماري لها ولشركاتها. وهي أيضاً ستكون خطة التنافس الحميم ضد الصين مجدداً.
زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز المرتقبة إلى اليابان تأتي لإعادة التأكيد على أن السعودية اتجهت بكامل بوصلتها السياسية والاقتصادية نحو الشرق، وأن الدول الثقيلة فيه ستحدد الحقبة الاستثمارية القادمة في السعودية. واليابان هي إحدى أهم الدول الشريكة التي تعول السعودية على المساهمة في هذا التوجه الجديد.
العلاقة السعودية مع الدول الآسيوية الكبرى وتحديداً الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا، تأتي على حساب الدول الأوروبية التي انعكست للانكفاء على الشؤون الداخلية وأصبحت اقتصادياتها في حالة متردية، والسعودية تدرك أن العالم يتغير وهذا هو سر الاهتمام السعودي الكبير بالملف الآسيوي، وهذا لن يكون حالة مؤقتة ولكنه قرار استراتيجي تم اتخاذه على كافة الأصعدة، وبالتالي هناك واقع اقتصادي جديد بقواعد ولاعبين مختلفين جداً.. .