سمير عطا الله

كلما تابعت برامج أعمال الرؤساء العرب، أدركت وسع الهوة بيننا وبين الدول. على الرئيس العربي أن يبلغ شعبه كل يوم، بأنه يعمل ولا يضيع الوقت. ولذلك فهو يجتمع مع وزراء الاختصاص، والوزراء يجتمعون مع الخبراء، والخبراء مع الوكلاء، والجميع يصدرون توصياتهم وتعليماتهم.


هل هذا عمل رئيس الدولة وحارسها القومي والمؤتمن على التخطيط لمستقبلها الكبير؟ لا يمكن أن ترى شبهاً لمثل هذا البرنامج في البيت الأبيض، أو «10 داونينغ ستريت»، أو الـ«إليزيه»، أو روما، أو مدريد، أو أثينا، أو جاكرتا.
لكن شعوبنا تريد من رؤسائها شهادة يومية موثقة بأنهم يعملون من أجلها. إنها عقود من فقدان الثقة بين الدولة والناس... بين البيروقراطية المزرية والفاسدة والخاملة، وبين المحتاجين والعاملين والمرهقين. ومن المؤسف والمحزن أنه بسبب تلوث تلك العقود، أصبح الرئيس نفسه في حاجة إلى شهادة حسن سلوك لا معنى لها.
إن مهام الرئيس أعلى وأعمق وأهم بكثير من الاهتمام بشحنات السكر واللحوم والدجاج الفاسد. صحيح، أن هذه هي يوميات الإنسان العادي، وليس الخلاف الدبلوماسي مع روسيا أو أميركا، لكن هذه أيضاً مهام الوزير والوزارات والإدارات. وفي الدولة الناجحة، تأخذ الحكومة هذه القضايا عن الرئيس بدل أن تتصور معه كل يوم دلالة على أنها تعمل.
الدولة عجل يجب ألا يُسمع صوت أنينه. وعندما يُسمع، فهذا يعني أن خللاً كبيراً في حاجة إلى إصلاح. وهذا التصليح له ورشة خاصة وحكومات باهرة مثل حكومة محمود فوزي أو عاطف صدقي. وله وزراء بارعون مثل عمرو موسى وفاروق الشرع وجان عبيد، وله مستشارون ذوو رؤى ثاقبة وشجعان مهمتهم الوحيدة هي الحقيقة ورضا الله، لا رضا الرئيس.
جداول أعمال الرؤساء في العالم العربي جميعها تظهر كأن لا عمل رئاسياً لديهم، بل عمل يومي عادي يتشاركونه مع الوزراء والمكلفين. والسبب ليس الرؤساء، بل الناس الذين تعودوا على رؤية الرئيس يخاطبهم كل يوم. وما من رئيس في العالم لديه برنامج استقبالات سوى رؤسائنا. متى يعمل إذن؟ متى يقرأ التقارير المرفوعة إليه، والدراسات المستقبلية وحقائق الأمم المحيطة ببلده، ومخاوف السفراء الذين يكتبون إليه؟ الرئيس بشر، وهو طبعاً المسؤول الأول وصورة عهده، وعليه أن يحفظ هذه الصورة أولاً وأخيراً. لكن آن لنا أن ندرب شعوبنا على أن تتحمل هي أيضاً مسؤولية أكثر أهمية... أن توليه الثقة كي يعمل ما دامت هي من اختارته. والعمل الرئاسي ليس استقبالات يومية عادية، بل ضيوف الدولة الكبار، وشؤون الدولة الكبرى، وليس أقلها يوميات الناس ورغيفهم، أعظم الشؤون.. . .