سارة العكاش 

الإرهاب وما يصحبه من تطرف وغيره، هو ثقافة لا بد أن تواجَه بثقافة أخرى كالتنوير وليس بقبضة أمنية فقط

إن ظاهرة المجموعات الإرهابية التي طفت على سطح المشهد السياسي اليوم، ليست جديدة، ولم تولد في سنوات، بل كانت نتيجة مسار ثقافي وسياسي وتربوي يُسلك منذ عقود. 
إنه مسار طويل من خيبات الحداثة المعطوبة، التي خلقت ثقافة جديدة عنوانها الكبير الموت و«الجهاد» والرايات السوداء، وكان من الطبيعي أن تتأثر الدول العربية بهذا المناخ، بوجود جماعات تكفيرية متشددة حولت قضية الإرهاب إلى وجهة نظر! 
الإرهاب وما يصحبه من تطرف وغيره، هو ثقافة لا بد أن تواجَه بثقافة أخرى، وليس بقبضة أمنية فقط.. فقد أدت السياسة التي اعتمدتها بعض الدول إلى خلق أسلوب تعزيز لتلك الجماعات الإسلامية المتشددة. فكانت نتيجة كثير من التعزيزات ظهور كثير من العصابات الظلامية كـ»داعش» وأشباهها، والتي تعد سببا كافيا للزج بعشرات الشباب والضحايا.
والسؤال هنا: ما العمل لمواجهة هذه جماعات الظلامية فكريا؟ 
لا خيار، إما التنوير، وإما التّزمت والتطرف والإرهاب، فكي نقلل من جاذبية «داعش» وكل القوى المتطرفة، لا بد من إحياء ثقافة تنوير. 
فمفهوم التنوير لم يكن في القرن الثامن عشر مجرد رؤى مستنيرة تُطرح في السياق الثقافي للفلاسفة والمفكرين والأدباء، بل كان يعني، استنادا إلى جوستاين جاردر، «تنوير طبقات الشعب الدنيا، كشرط أساسي لبناء مجتمع أفضل»، والمراد أن تكون ثقافة الجماهير هي ثقافة التنوير، لتتقلص مساحات البؤس والعنف والإرهاب.
من الضروري إشاعة الثقافة العلمية في المجتمعات، وتفعيل دور النقد وأعمال العقل، والتحضير لمواجهة فكرية شاملة، وتجفيف مصادر الفكر المتطرف، ووقف الدعاة الذين يكفرون الناس، وكذلك إعداد دعاة ووعاظ في المجتمعات ضمن سياسة واضحة، وإدخالهم معاهد علمية، ولا بد من مزيد من الديمقراطية، وانهاء ما يسمى بالأحزاب الدينية.
من وجهة نظري، فإن الأهم من ذلك، هو إعادة النظر في المقولات الدينية والفقهية لجهة ترشيد العقل الديني بما يخدم مقاصد الشريعة، وما يترتب عليه من مراجعة للمناهج المدرسية والجامعية، وتنقيتها من أي نصوص متشددة، إضافة إلى الدور المهم الذي يلعبه الفنان، سواء كان كاتبا أم شاعر أم ممثلا.. إلخ، تجاه الإرهاب وتصاعده، كونهم من أشد المنتصرين طوعا للتعايش والسلام.
وحول دور الفنانيين، فعلى المثقفين الطليعيين، وليس أؤلئك المولعين بثقافة النميمة والصالونات البعيدة عن نبض الشارع، أن يرتقوا إلى مهمتهم الحقيقة في الحرب على الإرهاب. 
فالفن سلاح مهم، وأعتقد أن لغيابه عن الساحة العامة دورا في انزياح الشباب نحو فكر متوحد لا يرى الحقيقة إلا من منظوره الخاص، ويُقصي كل من يخالفه. 
فالفن ميدانه المجتمع، ووظيفته هي الوقاية المبكرة من فيروس الإرهاب، ومنعه من النمو في عقول الشباب.
المشوار صعب بلا ريب، وما يزيد الأمر صعوبة أن الفضاء العربي يتحرك في ظل أنظمة غالبيتها تنتمي إلى ما قبل الديمقراطية، أي إلى أزمنة التسلط والاستبداد السياسي الذي يوفر بيئة خصبة لنمو نزعات التطرف.
يقول الشاعر والأديب السوري محمد الماغوط: «عمرها ما كانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع الذين يعتبرون أنفسهم بعد الله».