أحمد عبد الملك

مع مجيء دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، وتصريحاته ضد كل من حوله من الملونين ورؤيته التي تبدو متناقضة مع المبادئ الأميركية الراسخة التي أكدت التعددية الثقافية، ومع اضطرام حالات الشتات السوري، والانفلات الأمني في العراق، واستمرار حرب اليمن، ومع «اهتراء» محادثات السلام الخاصة بالشرق الأوسط، وعدم تحقيق السلام منذ «كامب ديفيد» في 7/9/1978، ومع حالات المد والجزر في العلاقات الأميركية الإيرانية.

مع كل ذلك يحاول البعض رسم سيناريوهات لمستقبل المنطقة، تتركز حول: انتشار مساحة الفوضى، وسعي بعض الجماعات الإسلامية لإقامة الخلافة، مما سيدفع المنطقة إلى حمامات دم.

هذا مقابل سيناريو الرؤية «الحالمة» المرتكزة حول إمكانية تحقيق المشروع الديمقراطي التعددي في بعض الدول العربية، عبر تحركات ثورية، لكن صعوبة تحقق هذه الرؤية تكمن في كثرة التوجهات والتحزبات، وعدم الاتفاق على ثوابت واضحة.

بينما تتمثل الرؤية الثالثة في المحور الذي تقوده المملكة العربية السعودية وتركيا، وهو محور إسلامي سني يحظى بدعم من مصر ودول مجلس التعاون.

وبالمقابل هناك رؤية رابعة يجسدها المحور الشيعي بقيادة إيران، ومعها حلفاؤها في لبنان وسوريا والعراق واليمن.

وطبقاً للكاتب أحمد عبده (CNN عربية)، فإن المنطقة مقبلة على ارتباكات كثيرة، في ظل تنافس كل من أميركا وروسيا الصين وأوروبا على جذب الحلفاء العرب.

وهناك تحركات خليجية ملحوظة في الآونة الأخيرة، منها زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لكل من ماليزيا وإندونيسيا وبروناي والمالديف واليابان، كأول عاهل سعودي يزور هذا البلدان منذ 46 عاماً. وكذلك زيارة الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت لسلطنة عمان الشهر الماضي ولقائه بالسلطان قابوس بن سعيد، وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدولة قطر، وزيارة الأمير سلمان بن خليفة آل خليفة رئيس وزراء مملكة البحرين لدولة قطر، وزيارة عادل الجبير وزير الخارجية السعودي لبغداد.. كل هذه التحركات تجعلنا نستنبط احتمالية وجود توجه جديد غير مسبوق لحلحلة الأوضاع في الشرق الأوسط، خصوصاً مع إصرار ترامب على إنهاء «داعش»، وطلبه إضافة 54 مليار دولار لميزانية وزارة الدفاع.

وقد يتركز السيناريو الأول حول عملية السلام في الشرق الأوسط، والدفع بمقترح الدولتين، لتحقيق الأمن والاستقرار في أكثر من 6 دول شرق أوسطية. السيناريو الثاني يتعلق بالقضاء على «داعش» عبر هجمات أميركية مباشرة، وصنع حالة إرباك في كل من العراق وسوريا، ما قد يؤدي إلى تدخل أميركي، وإلى الدفع بعملية الانتقال الديمقراطي للحكم في سوريا، بعد إزاحة بشار الأسد، وتحقيق الاستقرار في العراق عبر الطرق الديمقراطية.

هاجس أهل الخليج يتركز حول العلاقة مع إيران، وفي هذا الخصوص يبدو أن ترامب مختلف عن سلفه أوباما، إذ عبّر صراحة، عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «إيران تلعب بالنار، وإنهم لا يُقدِّرون كم كان الرئيس أوباما طيباً معهم.. لستُ هكذا!».

وينطلق القلق الخليجي من استمرار إيران في محاولاتها لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، واستعراض عضلاتها عبر إطلاق الصواريخ الباليستية، واستمرارها في احتلال جزر الإمارات الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى.. رغم عدم تبلور موقف موحد لعواصم التعاون حيال طهران إيران.

لقد حافظت دول التعاون على مستوى كبير من الأمن، واتجهت نحو التنمية، وأرست قواعد البنى التحتية لشعوبها، كما لم تصنع أي دولة أخرى، لذلك لا يجوز «جرِّها» إلى مغامرات عسكرية، أو فرض حالات استلاب أمنية من الخارج، خصوصاً أنها تُشكّل عصب الحياة للصناعة والاقتصاد العالميين بفضل احتياطياتها الضخمة من النفط والغاز، ولا بد والحال كذلك، من دعم الجهود المخلصة التي تقودها دول التعاون من أجل استتباب الأمن في الجوار الجغرافي، بما فيه إيران والعراق وسوريا واليمن.

القمة العربية على الأبواب، ولا شك أن «تلطيف» الأجواء العربية يكتسب أهمية كبرى، في ظل التوترات الأمنية المحيطة بالشرق الأوسط، والتدخلات الأجنبية في شؤونه الداخلية.

قد يكون من المفيد دعوة الرئيس الأميركي إلى القمة العربية، لاستكناه التوجهات الأميركية الجديدة، وإسماع الولايات المتحدة صوتاً عربياً موحداً. وقبل ذلك، يمكن لرئيس القمة العربية الحالية (الرئيس الموريتاني) زيارة واشنطن لمعرفة الموقف الأميركية من قضايا المنطقة، ونقلها إلى القادة العرب.