الياس الديري

تَعجَبين من سقمي، صحَّتي هي العجب. الحالة اللبنانيَّة على حالها، من داخل كما من خارج. تغادر خندق الفراغ الرئاسي، لتجد نفسها في ضيافة نفق الانتخابات النيابيَّة. والانتخابات، كما يعلم القاصي والداني، تبحث بدورها عن قانون مناسب يرضي الجميع، كمن يبحث عن إبرة في كومة قش.


الفراغ الرئاسي امتلأ برئيس قويّ بعد صبر أين منه صبرُ أيّوب. إلا أن العزف على تِرِلَم التعطيل متواصل. ودبكة المحيِّرة لا يجفُّ لها عرق. الى درجة أن الخوف من الفراغ النيابي يكاد يخلع الأبواب ويخرج الى العلن.


ما دام الدوران في فلك قانون الانتخاب متواصلاً من كل حدب وصوب، ولكن من دون العثور على أيّ مخرج، أو احتمال اتفاق، فإن حصد الهواء بأسلوب بربر آغا سيعود الى الساحة اللبنانيَّة لينشط مجدَّداً في سهول ومشاريع وأودية قانون انتخاب لم يجهز بعد. وليس لدى أيّ مرجع مشروع أو مجرد عناوين رئيسيَّة. فراغٌ قانونيّ يُخشى أن يتبعه فراغٌ انتخابيّ.


عندما يدخل عنصر المراوحة شريكاً مضارباً في أية أزمة سياسيَّة، من البديهي أن يقول الناس إن الاستحقاق النيابي ليس أهم من الاستحقاق الرئاسي... الذي اضطروه الى الانتظار عامين ونصف الثالث.


ودائماً تنشدُّ الأبصار صوب الخارج الذي بات حضوره أساسيّاً في دورة الحياة السياسيَّة اللبنانيَّة، بل في كل الحقول، أقرب الى دورة الدم في جسد الإنسان. وهذا التشبيه لا يحتاج الى تفسير، ما دام الفريق المؤثِّر في القضايا اللبنانيَّة الأساسيَّة لا يردُّ مطلباً لحلفائه. والحلفاء يعاملونه بالمثل. فيما الأزمات الداخليّة تدور حول نفسها من دون أي هدف أو أمل في العثور على مخرج.


هذا ما ينطبق حفراً وتنزيلاً على وضع الانتخابات النيابيَّة، المعلَّق مصيرها بالاتفاق على قانون يرضي أهل النسبي، والأكثري والمختلط، والارثوذكسي، وحتى "الستين". سواءً خلال العام الحالي، أو المقبل، أو ما يليه.
الرئيس نبيه برّي صارح اللبنانيين، كالعادة بأنه يخشى الوصول الى نيسان بلا قانون انتخاب.


والنائب بطرس حرب نقل عن رئيس مجلس النواب أنه يحذِّر مَنْ يعنيهم الأمر، ومَنْ في امكانهم الحل والربط، من وقوع البلد في خندق الفراغ ذاته مع انتهاء ولاية المجلس الحالي، من دون الاتفاق على قانون جديد.
بل ذهبت التحذيرات الى أبعد من ذلك ومما يعتقد البعض. ضمن تصريح للنائب حرب وَرَد "أن ثمة تخوّفاً من سقوط البلد في فراغ جديد، مما يؤدي الى ضرب النظام السياسي وقواعده بكاملها، وتفريغه من السلطة التشريعيَّة التي هي أم السلطات".


لكن المسرح مستعدّ لاستقبال المزيد من المفاجآت.