وليد أبي مرشد

 أن تتجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، للدعوة إلى عقد اجتماع على مستوى دولي في واشنطن «لزيادة فاعلية» محاربة «الإرهاب الداعشي»، اعتراف ضمني بأن أقوى دولة في العالم لا تتوقع مواجهة الإرهاب الدولي بمفردها - حتى بقيادة أقوى رئيس عرفه البيت الأبيض حتى الآن.


لا جدال في أن حسابات الحرب على الإرهاب ومخططاتها تختلف جذرياً عن حسابات الحرب الكلاسيكية المتجذرة في الثقافة العسكرية الأميركية، والغربية عامة. ورغم أن المؤسسة العسكرية الأميركية تلجأ باطراد، في مواجهاتها مع الإرهاب، إلى تنفيذ عمليات «نوعية» خارجة عن المفاهيم الحرب الكلاسيكية (ربما أنجحها كانت عملية اغتيال أسامة بن لادن في باكستان)، لا تزال العمليات العسكرية الميدانية الاستراتيجية الغالبة على الحرب الأميركية على الإرهاب، وإن كان معظمها ينفذ بالوكالة.
إلا أن المشكلة في مجتمع «يتبرجوز» مع مرور الزمن ويزداد تثمينه للحياة البشرية، لم يعد سهلاً زج الجندي الأميركي في حروب خارجية لا تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي وإن كانت، في مناطق معينة من العالم، تمس مصالح الولايات المتحدة.
بعد أن حوّل الرئيس السابق باراك أوباما، في عهده، مشاركة «الجزم الأميركية» في حروب خارجية إلى قضية شبه أخلاقية، بات واجباً قومياً على البيت الأبيض إقناع الرأي العام الأميركي بالضرورات الملحة لهذه المشاركة.
حروب «الخيار» الأميركية تقلصت احتمالاتها بعد عهد الرئيس الأسبق جورج بوش (الابن) وحروب «الضرورة» أصبحت أكثر صعوبة بعد عهد الرئيس أوباما، ما قد يفسّر دعوة الرئيس ترمب إلى عمل جماعي في مواجهة الإرهاب «الداعشي» في الشرق الأوسط.
واضح أن الرئيس ترمب يسعى إلى مرحلة جديدة في الحرب على الإرهاب، يأمل في أن تكون «أكثر فاعلية»... ولكن هل ستستوجب هذه المرحلة مشاركة أميركية مباشرة في النزاع بسوريا أم اعتماداً أكبر على «الحلفاء»؟
من الطبيعي أن يتحدد الموقف الأميركي في ضوء سير العمليات الحربية على جبهتي الموصل والرقة. ومصادر واشنطن تؤكد أن «كل شيء في البيت الأبيض قيد المراجعة» بعد تولي هربرت رايموند ماكماستر، المقرب من وزبر الدفاع الأميركي، منصب مستشار الأمن القومي.
تطور الأحداث في العراق يوحي بأن احتمال زيادة الجنود الأميركيين على جبهته ما زال وارداً. إلا أن أي تدخل عسكري مباشر في سوريا يبدو مستبعداً لأكثر من سبب أبرزها:
- تأخره عن موعده الظرفي المناسب ثلاث سنوات على الأقل، الأمر الذي أتاح لروسيا الإمساك بالورقة العسكرية المؤثرة في سوريا.
- فتور الحماس الأميركي لتدريب مقاتلي الجيش السوري الحر وتسليحهم.
- إحباط الرئيس السابق أوباما مطلب تركيا بفرض منطقة حظر جوي بموازاة حدودها الجنوبية مع سوريا.
- وأخيراً، لا آخراً، تشرذم فصائل المعارضة السورية المسلحة بما فيها الفصائل المتعاطفة مع واشنطن.
ذلك لا يعني، بالضرورة، الاستغناء عن أي دور عسكري مباشر للولايات المتحدة في سوريا عبر «تنسيق» ميداني مع القوات التركية. وفي هذا السياق يأخذ «السكوت» الروسي عن الوجود العسكري التركي في شمال سوريا مغزى خاصاً، خصوصاً إذا صحت المعلومات التي تحدثت عن مفاوضات روسية - سورية حول اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إقامة «مناطق آمنة» في سوريا.
ولكن، رغم أنه من الصعب مساواة ثقل «الدور الأميركي» بثقل الدور الروسي في سوريا، فإن التقصير الأميركي في مرحلة الحرب سوف يعوضه الفارق الكبير في دور الدولتين في مرحلة السلم - هذا في حال نجاح محادثات جنيف في وضع النزاع السوري على سكة الحل السياسي - فإعادة إعمار سوريا، بتكلفته المالية الباهظة، هي المدخل المرشح لإعادة الدور الأميركي والعربي، معا، إلى سوريا... فلا روسيا ولا إيران في وضع اقتصادي يمكنهما من ضخ مليارات الدولارات على إعادة إعمار البنى التحتية المهدمة والمنهارة في سوريا.
وفي هذا السياق، قد تكون روسيا الجهة الأكثر إدراكاً لكلفة التسوية السياسية في سوريا، واستطراداً الجهة الأكثر استعداداً للتوصل إلى «صفقة سلام» مع الولايات المتحدة، تحفظ مكاسبها الاستراتيجية في سوريا، وتبعد عنها كأس تحمل أعباء إعادة إعمارها.. .