صفوق الشمري

سألت لماذا نجحت الإمارات بسرعة في الصناعة العسكرية، فكانت الإجابة: كلمة السر لدخول السوق الدفاعية الإماراتية هي نقل التقنية، وبعدها تأتي بقية المفاوضات والشروط

عندما تطغى الاحترافية على أي عمل فإنها تجعله جميلا، مع أننا نتكلم عن صواريخ ودبابات وطائرات من صلب وحديد، ومع ذلك العمل المنسق الاحترافي يجعله كاللوحة الجميلة لمن يراها!.
عندما تجمع 1100 شركة ومصنع، من أكبر الشركات في العالم على مساحة 35000 متر مربع و12 قاعة فهذا مجهود جبار، هذا غير نافديكس الذي جمع أكبر مصانع السفن الحربية وأسلحتها، لكن كل هذا باعتقادي رغم أهميته ورغم الجهد اللوجستي والتنسيقي الكبير لا يعادل أن الإمارات كانت نجمة المعرض، ليس بالتنظيم فقط، ولكن بالصناعات الحربية والعسكرية.
ليست المرة الأولى التي أحضر فيها معارض دفاعية حول العالم، لكن كان معرض إيديكس 2017 في أبوظبي مميزا، مع كثرة حضور المعارض الدفاعية تكون مع الوقت علاقة جيدة مع ممثلي الشركات وتصبح الوجوه مألوفة، كثير من مديري الشركات الدفاعية الكبرى كانوا مبهورين بالتنظيم، وأيضا بالتطور، وسأسرد بعض المشاهدات والانطباعات، بعضها قد يكون قاسيا قليلا، لكن أمانة النقل تستلزم قول الحقائق دون تجميل.
الإمارات أسست شركات دفاعية بمدة قصيرة في مقياس الأسواق العسكرية، بدأت بمشاركة مع الشركات الأجنبية، وركزت على نقل التقنية، وكانت في البدء مدعومة من الحكومة مثل مبادلة وتوازن وأبوظبي لصناعة السفن، ومع الوقت تأسست كثير من الشركات على أسس تجارية، كانت البداية نقل تقنية وصيانة وتغطية السوق المحلي، والآن تطورت وبجودة عالية وإبداع لتصبح تنافس أعتى شركات السلاح العالمية، والآن نرى عشرات الشركات الإماراتية الخاصة في جميع المجالات، سواء البرية أو البحرية أو الجوية!.
عرضت الإمارات في خطوة جريئة مركبة جديدة وهي نمر جيس وصلت للتو من اليمن وترى آثار الطلقات والمعارك عليها في خطوة تثبت صلابة وجودة صناعتها، يقول المهندس المشرف: تم التصميم والتصنيع والتجربة وأيضا استخدامها في اليمن خلال سنتين! وفي علم السلاح هذا رقم قياسي، عادة فقط التجارب الأولية على المركبات العسكرية تأخذ أكثر من سنتين، فما بالك بالتصنيع والاستخدام في حرب وإثبات الكفاءة؟
سألت أحد مديري الشركات الأجانب عن لماذا الإمارات نجحت وبسرعة في الصناعة العسكرية؟ فأجاب إجابة اختصرت كل شيء! يقول: كلمة السر لدخول السوق الدفاعية الإماراتية هي نقل التقنية، وبعدها تأتي بقية المفاوضات والشروط، فأصبح نقل التقنية أمرا مفروغا منه، بينما بقية دول الخليج تعتمد على من تعرف! وما هي القناة المناسبة لدخول السوق.
الانطباع الثاني، ما زال أسلوب الشركات الدفاعية حول العالم كما هو في كل المعارض والمناسبات بناء على خلفياتهم، لدرجة أنك أصبحت تعرفهم بسيماهم، الشركات الأميركية دائما تتعب الزبون بالمفاوضات والتفاصيل وغلاء الأسعار، لكنها ممتازة بعد التوقيع وتلتزم بالعقود. الفرنسيون عندهم تقنية ممتازة لكن خدمات ما بعد البيع متأخرة ومتعبة، وأسلوبهم المعروف بالفوقية ما زال طاغيا، ما لم تتكلم الفرنسية معهم. الصينيون هم نجم صاعد حاليا في مبيعات الأسلحة، يمتازون بالسعر الجيد والتنوع وقلة الإملاءات والشروط، لكن لا يعرفون خدمات ما بعد البيع لأنهم جدد، لكن المينو لديهم هائل ومتعدد. البريطانيون معروف عنهم البطء بالتطوير والبخل، فهم ممتازون في المفاوضات ويجعلون عقودهم فيها شيء من الغموض، لكن بعد البيع تبدأ التفسيرات المختلفة والتمديدات. الكوريون تقدم متوازن في السوق الدفاعية، لكن فيه بطء، وما زال العسكريون الشرق أوسطيون مترددين بقبول سلاحهم رغم مواصفاته الجيدة لأنهم تعودوا على السلاح الغربي. الروس رغم التاريخ الطويل للسلاح الروسي حول العالم والاعتمادية العالية، لكن لو توقفوا قليلا عن المبالغة والتفخيم لسلاحهم لكن أفضل.
الانطباع الثالث، مشاركة الشركات السعودية، أغلب من قابلت من خبراء سعوديين كانوا ينتظرون مشاركة أكبر، في معرض محترف فيه أحدث أنواع الأسلحة في العالم، ، خصوصا أنه لديك أشياء أخرى ممكن عرضها والتركيز عليها . الانطباع الرابع، أنه بالرغم من أن السعوديين هم الأوائل في المنطقة في برنامج الأوفست ونقل التقنية العسكرية، إلا أن عدم التفعيل الجيد لنظام الأوفست قلل فوائد مهمة لنقل التقنية العسكرية.
الانطباع الخامس، يحز في النفس قلة المشاريع العسكرية المشتركة بين الخليجيين، وخصوصا السعودية والإمارات، فكلتاهما تملكان الإمكانات المادية والعلمية لإنشاء مشاريع عسكرية جبارة، وفي الأزمات ما يقف معك إلا إخوانك، أما الآخرون فسيبتزونك ويبحثون عن مصالحهم، وليس معيبا أن تشتري سلاحك من أخيك، وأن أخاك يشتري منك أو أن تتشاركا بعيدا عن طمع الآخرين.
وفي النهاية عن أهم أسباب حرصي على حضور المعارض الدفاعية، هو التقنية، قد تستغرب أن كثيرا من الأشياء المفيدة في حياتنا حاليا أتت من اختراعات الدفاع، مثل الإنترنت وكثير من الاختراعات الطبية، ولا غرابة إذا عرفت أن ميزانية التطوير والأبحاث في أميركا 140 مليارا سنويا، وأن أكبر ممول للأبحاث هي وزارة الدفاع الأميركية بـ60 مليارا، وكثير منها يتحول للاستعمال المدني أو الطبي.