عثمان الخويطر

 إشارة إلى ما تطرق إليه أحد مسؤولي شركة البترول البريطانية قبل أيام في موضوع يتعلق بالمتبقي من الاحتياطي العالمي للبترول التقليدي القابل للإنتاج بالطرق والتكنولوجيا المعروفة اليوم. لكن قبل أن ندخل في صلب الموضوع، لا بد من توضيح نقطة مهمة في هذا المجال.

فالحديث سوف يتركز فقط حول ما يطلق عليه مجازيا البترول التقليدي، لأن هناك أيضا بترولا غير تقليدي ربما يزيد احتياطيه على ثلاثة تريليونات برميل. وإنتاج معظمه غير مجدٍ اقتصاديا عند الأسعار الحالية، ومنه البترول الصخري والصخر البترولي والبترول الثقيل "فينزويلا" والرمل البترولي "كندا" وأنواع أخرى توجد في البحار العميقة والمناطق المتجمدة، وتكلفة إنتاجها من 120 دولارا للبرميل فما فوق. وسيأتي اليوم الذي يجب فيه إنتاج تلك الأنواع المكلفة اقتصاديا، وذلك عندما ينضب معظم البترول التقليدي ويتحول الباقي منه إلى غير تقليدي بسبب تكلفة الإنتاج وصعوبة الإخراج.
كان المسؤول البريطاني يلقي الكلمة الرئيسة في منتدى أسبوع البترول العالمي في 22 فبراير 2017، في لندن. وقال في مجمل حديثه عن مستقبل البترول، إن الاحتياطي العالمي في عام 1980، وهو حتما يقصد التقليدي، كان يقدر بـ700 مليار برميل. وقد أصبح اليوم تريليونا و700 مليار برميل. وهو بذلك يمتدح الجهود العالمية الجبارة التي قفزت برقم الاحتياطي من 700 إلى 1700 مليار برميل خلال السنوات الماضية. والقارئ العادي حتما سيظن أن ما أشار إليه المتحدث جاء نتيجة لاكتشافات بترولية جديدة أضافت احتياطيات بهذا الكم الهائل، وواقع الحال غير ذلك. وهو أيضا لم يتطرق إلى الكميات الإضافية الكبيرة التي تم إنتاجها منذ 1980 حتى الآن، التي قد تتجاوز 875 مليار برميل. فتكون زيادة الاحتياطي من عام 1980 حتى اليوم، فوق 700 مليار التي ذكرناها آنفا، قد بلغت تريليونا و875 مليار برميل. وهو رقم خيالي يصعب تصوره. فما بالكم إذا أكدنا أن العالم لم يكتشف حقلا واحدا جديدا من الحجم المتوسط من نوع التقليدي ليس فقط بعد عام 1980 بل منذ أكثر من 45 عاما مضت. فمن أين، يا ترى، أتوا بهذه الكميات الإضافية الكبيرة، دون توضيح لمصدرها؟ نحن نعلم أن فنزويلا وكندا كانتا قد أضافتا إلى احتياطيهما التقليدي من غير التقليدي ما يقارب 270 و170 مليار برميل على التوالي، أو ما مجموعه 440 مليار برميل، ما كان يجب أن تحسب من ضمن الاحتياطي التقليدي العالمي. بترول فنزويلا من النوع الثقيل أو الكثافة العالية الذي لا يمكن إنتاجه بسهولة ومكلف، وكندا من نوع الرمل البترولي المكلف. وهما لا يختلفان عن البترول الصخري الذي لم تضف منه أية كمية إلى التقليدي. فإذا استثنينا هذه الـ440 مليارا من المجموع، تصبح الزيادة المضافة فقط من البترول التقليدي من عام 1980 حتى اليوم، تريليونا و435 مليار برميل. فكيف نفسر تلك الإضافة إذا لم يكن لدينا ما يثبت وجود اكتشافات كبيرة خلال تلك الفترة الزمنية الطويلة؟ هناك احتمال وارد، فقد تكون معظم الحقول التي كانت تنتج البترول ما قبل عام 1980 لم يكتمل تقييمها ومعرفة كامل احتياطيها. ومنذ ذلك الوقت وهي تضيف كميات معينة إلى احتياطيها الأصلي. واحتمال آخر، وهو رفع نسبة الاستخلاص لما تبقى من احتياطي الحقول كما يدعي بعض المصادر وهو أمر وارد، خصوصا مع التوسع في استخدام الحفر الأفقي ورفع كفاءة الإنتاج. ولعل كثيرين يتذكرون الكميات الكبيرة من الاحتياطي التي كانت قد أضافها معظم دول "أوبك" خلال سنوات الثمانينيات بجرة قلم ودون سابق إنذار. وكان مجموع الإضافات حينها في حدود 330 مليار برميل، لم تعلن الدول عن ماهيتها ولا موجب إضافتها. ونحن نعتقد أن نسبة كبيرة، قد تصل إلى 50 في المائة منها، كانت إضافات عشوائية أملتها آنذاك ظروف سياسية لها علاقة بسياسة حصص الإنتاج التي كانت مجال اتفاق بين أعضاء "أوبك". فإذا جمعنا 165 مليارا "50 في المائة من إضافة دول "أوبك" مع 875 مليار برميل، وهي كمية الإنتاج المستهلك فعليا منذ عام 1980 حتى اليوم، يتبقى من احتياطي التقليدي، أو البترول الرخيص كما ينعتونه، أقل من 900 مليار برميل فقط. ولو كانت قسمة مجموع الاحتياطي على معدل الإنتاج السنوي لمعرفة العمر المتبقي للبترول التقليدي مقبولة، كما يظن كثيرون، لوجدنا أن الباقي من احتياطي البترول التقليدي لا يزيد على استهلاك 30 عاما. ولكن الواقع غير ذلك. فمستوى الإنتاج العالمي الحالي لن يدوم طويلا قبل أن ينخفض قسريا إلى مستويات متدنية مع مرور الوقت. فيمتد عمر البترول إلى عشرات العقود، مع انخفاض مستمر في كميات إنتاجه. وهذا تحذير لمن قد يعتقدون أن البترول، التقليدي وغير التقليدي، على حجم كمياته المتوافرة الآن سوف يظل يمد العالم بكميات كافية كما هي الحال اليوم. وهذا خطأ استراتيجي، فنحن على وشك الدخول في عصر الشح في الإمدادات البترولية الرخيصة. ولذلك نحن نرحب بوجود البدائل المتاحة لتخفيف الضغط على البترول لإطالة عمره. ونعتبر أن ما تفضل به المحاضر من معلومة غير مفيدة، بقوله إن الاحتياطي العالمي بين عام 1980 و2016 ارتفع من 700 إلى 1700 مليار برميل فيه كثير من عدم الدقة، ناهيك عن أنه لم يتطرق إطلاقا إلى ما تم إنتاجه واستهلاكه خلال الـ 35 سنة الماضية، وتقارب كمياته تريليون برميل. هذا المنطق يخفي كثيرا من الحقائق المهمة التي يجب أن توضح للمجتمع الدولي من أجل أن يكون على علم تام بما هو حاصل في مجال مصادر الطاقة.