عماد العباد

في تاريخ الجماعات المتطرفة لم يمر تنظيم يحسن العمل الإعلامي باحترافية مدهشة مثل داعش، كانت الجماعات في الغالب تعتمد على المنشورات أو المحاضرات أو اللقاءات وجهاً لوجه للتسويق لها أو تجنيد الأتباع الجدد، حتى تلك الفيديوهات والكتب والمحاضرات التي تتحدث عن الكرامات وابتسامات الموتى وروائح المسك أيام الجهاد الأفغاني والتي ساهمت في جذب الكثير من الشباب إلى ساحات القتال، لا تعد إلا عمل هواة بالمقارنة مع ما تمارسه الذراع الإعلامية لتنظيم داعش من احترافية أدهشت حتى الإعلام الغربي. إذ لم يعتمد التنظيم فقط على نشاطه المنقطع النظير في تويتر ويوتيوب وفيسبوك وتليغرام وغيرها، بل أصدر عدة منتجات إعلامية بإخراج يضاهي أشهر المؤسسات الإعلامية ومحتوى مكتوب بلغة جدلية مدروسة تستهدف التحكم بنفسيات القراء. كما لا يرضى التنظيم بغير الجودة العالية في إنتاج فيديوهاته المرعبة للإعدام.

كل هذه المنتجات المتقنة تدل على استيعاب التنظيم لأهمية الرسالة الإعلامية الذكية، وعلى تجنيده لفريق احترافي منظم يدار بمهنية عالية. هذا الفريق -وعلى عكس السائد- لا يهتم بصورة التنظيم بل يوغل في توحيشها ودمويتها وهي رسالة، على الرغم من شذوذها، تهدف إلى التسلل إلى الجانب المتوحش من عقل الإنسان وللأسف نجحت بشكل صادم إلى درجة أن بعض معتنقي هذا الفكر قام بنحر والديه وقتل أقرب الناس له.

بين يدي كتاب جديد ومهم، بعنوان "العنف اللفظي وبلاغة التحريض في خطاب داعش" لـ د. عبداللطيف السلمي قام من خلاله بتحليل اللغة التي استخدمها التنظيم منذ ولادته المشؤومة. يشير السلمي إلى أن دعاية داعش أعقد بكثير مما نتصور، وأن إستراتيجية داعش الجاذبة تستفيد من الأزمات التي يعانيها الشباب على مستوى الهوية الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية. إذ يقدم التنظيم نفسه كبديل فاعل للدولة الوطنية والأسرة عبر رؤية ثورية متطرفة عن العالم. كما أن الشباب الأكثر عرضة للتطرف هم أولئك الذين يعانون من صعوبة في الاندماج بمجتمعاتهم.

وأخيراً، حتى لو استطعنا هزيمة داعش على الأرض فلا أعتقد أن من السهولة هزيمته على الإنترنت ذلك أن العالم لم يستوعب بعد خطورة هذا السلاح الذي يستخدمه التنظيم في تجنيد ذئابه المتوحدة، كما أن صفوفنا الإلكترونية مرتبكة وغير متراصة. نحن بحاجة إلى جيش عالمي موحد واستخبارات منظمة في العالم الافتراضي تقوم بحرب شاملة على التنظيم وأتباعه ابتداء من تويتر وانتهاء بالألعاب الإلكترونية.