فهمي هويدي

رغم أن أخبار سيناء تنشر في الصحف المصرية بصفة شبه يومية، فإنني أراهن أن يكون أحد فهم منها شيئا، باستثناء أن هناك معركة مفتوحة منذ ثلاث سنوات، وضحاياها يسقطون كل يوم دون أن تلوح لها في الأفق نهاية. خذ مثلا العنوان الرئيسي لصحيفة «الشروق» يوم السبت ١١/٣. الذي كان نصه كما يلي:

إرسال أجهزة تشويش إلى سيناء بعد استشهاد ضابطي شرطة. وفي التقرير المنشور تحت العنوان ــ المنسوب إلى مركز الإعلام الأمني ــ أنه أثناء مرور مجموعة من رجال الأمن بأحد شوارع مدينة العريش، لاحظت أن بعض العناصر الإرهابية تحاول زرع عبوة ناسفة على جانب الطريق فتم التعامل معهم وتبادل إطلاق النيران. فلقي أحدهم حتفه، وعثر إلى جانب جثمانه على عبوة ناسفة بينما لاذ الآخرون بالفرار وأثناء التعامل مع العبوة الناسفة انفجرت، مما أسفر عن استشهاد ضابطين، أحدهما برتبة مقدم والثاني برتبة نقيب، كما تمت إصابة 4 آخرين. وفي النص المنشور أن «الشهيدين والمصابين واجهوا ببسالة متناهية وخاضوا معركة شرسة مع الإرهابيين والانتحاري الذي حاول الاقتراب من أحد المواقع الأمنية وتم إطلاق النار عليه».

رغم التفاوت النسبي بين الروايتين فإن القاسم المشترك بينهما أن محاولة إجهاض العملية الإرهابية أسفرت عن قتل أحدهم، واستشهاد ضابطي شرطة أحدهما برتبة رفيعة، أثناء التأمل مع العبوة الناسفة. أما بقية الإرهابيين فإنهم هربوا وابتلعتهم الصحراء.

في بقية الخبر تفصيلات أخرى عن انتقال قيادات وزارة الداخلية إلى العريش لإعادة تنفيذ الحملات التي تستهدف أوكار الإرهابيين في رفح والشيخ زويد والعريش. مما ذكر أيضا أن وزير الداخلية عقد اجتماعا مع مساعديه، وشدد على ضرورة تدعيم قوات الشرطة بخبراء مفرقعات وأجهزة تشويش لإبطال مفعول العبوات الناسفة، أثناء تحرك قوات الشرطة. كما تم إعلان حالة التأهب بأقصى درجاتها على كمائن الأمن في شمال سيناء... إلخ.

من التفاصيل نفهم أن الاحتياطات والتجهيزات التي كان ينبغي اتخاذها قبل الحادث، بما فيها الطوارئ القصوى. تقررت بعدما وقعت الواقعة وتم استشهاد الضابطين: علما بأنني حين رجعت إلى من أعرف في العريش قال مصدران من أهل الدراية إن «الإرهابيين» كانوا شخصين، أحدهما قتل والثاني هرب.

خذ أيضا الأخبار التي باتت تحتل موقعها على الصفحات الأولى في الصحف اليومية، وتنبئنا يوما بعد يوم بأن حملات مكافحة الإرهابيين قتلت ٧ أشخاص تارة و١١ شخصا في تارة أخرى، وأكثر من ذلك أو أقل في مرات سابقة، وأيا كان قدر الثقة في بيانات المتحدث العسكري، وحتى إذا قلنا أن كل هؤلاء يستحقون القتل فعلا، إلا أن إصدار تلك البيانات طوال ثلاث سنوات يعطي انطباعا مغلوطا مؤداه أن الهدف هو قتل الإرهابيين، في حين يفترض أن تلك وسيلة للقضاء على الإرهاب. وأن استمرار القتل عدة سنوات دون تحقيق هدفه يعني أن الوسيلة باتت هدفا، ويعني أيضا أن ثمة وضعا ينبغي أن يصحح بحيث تؤدي الوسيلة دورها في تحقيق الهدف المنشود.

خذ كذلك ما حدث عندما تم تهجير ٢٥٨ أسرة للأقباط من العريش إلى مناطق أخرى تأمينا لهم، وهي العملية التي كان لها صداها القوي في دوائر السلطة والمجتمع. الأمر الذي وفر للمهاجرين البالغ عددهم نحو ألف شخص ما يستحقونه من الرعاية والاهتمام في مساكنهم ووظائفهم، وكان لكنيسة الإسماعيلية دورها في إدارة الأزمة، إلا أن ذلك أثار سؤالا كبيرا حول إهمال السلطة لنحو ٢١ ألف نازح آخرين اضطروا إلى الهجرة من رفح والشيخ زويد بسبب اضطراب الأحوال الأمنية، دون أن تقدم لهم أجهزة السلطة مساعدات تذكر، رغم أن المحافظة قامت بحصر أعدادهم في شهر أغسطس من العام الماضي.

ما سبق مجرد نماذج للأوضاع المحيرة وغير المفهومة المخيمة على سيناء، التي تثير سيلا من الأسئلة المعلقة في فضاء المحافظة بلا إجابة.