حسين شبكشي

اتصل بي أحد المصرفيين المخضرمين القدامى في المنطقة والآتي من الغرب، وقال لي: ما الذي يحدث عندكم في السعودية؟ أحاول أن أحلل وأن أستنتج، ولكني في حيرة من أمري. قاطعته بهدوء وسألته: ماذا تقصد تحديداً؟

قالي لي: لم نعهد السعودية أن تكون «سباقة» و«متوثبة» في العلن هكذا. كانت السعودية تمارس السياسة في الخفاء وخلف الكواليس. ابتسمت وقلت له: صحيح اليوم السعودية غير أمس. إن ما حدث في المنطقة من أحداث ذات أبعاد دولية ومحلية أقل ما يقال عنها إنها غامضة وغريبة جداً. ظاهر الأحداث كان يقول إن العالم العربي يتغير ولكن كان تغيراً متطرفاً، ظهرت فيه جماعات راديكالية متشددة متطرفة ذات علاقات مريبة جداً مع قوى إقليمية وقوى دولية. الدول تنهار في المنطقة والكيانات مهددة ورأس الإرهاب بدا سيد الموقف في كل المنطقة، وكان القرار السعودي التاريخي بأخذ زمام الأمور على عاتقها وتحمل المسؤولية بالشراكة مع دول المنطقة القادرة على مواجهة الإرهاب معاً، وبدأ حراك سعودي دبلوماسي أخيراً غير معهود، تحرك لا يمكن إلا أن يصنف كنوع من الاستراتيجية الاستباقية، وأن تكون السياسة الخارجية الجديدة إحدى أهم أدوات «الهجوم» السياسي السعودي.
السعودية في السابق كانت تتعامل «بهدوء وروية» فيما يخص علانية علاقاتها الخارجية، واليوم ها هي تأخذ زمام الأمور بثقة وشجاعة، وخصوصاً في الجانب الآسيوي الذي بات الشريك الأهم اقتصادياً لها، فكثرة زيارات المسؤولين السعوديين لليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وإندونيسيا أحدثت حراكاً إيجابياً كبيراً، وانعكس في هذه الدول بشكل جدي عن تغير اتجاه البوصلة السياسية السعودية من الغرب الأوروبي إلى الشرق الآسيوي وبقوة.
تركز السعودية على استغلال قوتها الناعمة في بلاد آسيا التي بها نسب عالية من المسلمين ومكانة السعودية كبيرة لديهم، وهي أرض الحرمين الشريفين. كذلك تستخدم السعودية ثقلها الاقتصادي لتحفيز هذه الدول لإقامة العلاقات الاستراتيجية معها لتكون العلاقة مبنية على المصالح العميقة طويلة الأجل بدلاً من المشاريع والقرارات الآنية التي أثبتت الأيام أنها غير قابلة للاستمرارية ولا الاستدامة، وبالتالي لا يمكن البناء عليها.
كل ذلك كان مفاجئاً للمتابعين للشأن السعودي، فلم يعهدوا من السعودية هذا النوع من الحراك الاستباقي القوي والعلني، ولكنها علامات التغيير الحاصل في البلاد. وحتى الخطاب السعودي مع الولايات المتحدة الأميركية تغير مع الإدارة الجديدة التي بدأت ترى الخطر الإيراني حقيقة وتتعامل معه على عكس إدارة باراك أوباما السابقة التي كانت في حالة إنكار تام للخطر الإيراني وأبعاد تأثيره على استقرار المنطقة نفسه ودعم النظام الإيراني لكثير من المجاميع الإرهابية المجرمة.
الخطاب السياسي السعودي الجديد هو انعكاس للدور القيادي السعودي الكبير في المنطقة، وانفتاح السعودية على العالم بالشكل الجديد سينعكس عربياً، كما انعكس أخيراً مع العراق ولبنان، ويبدو أن هناك شيئاً مهماً سيتم تحضيره لأجل إنجاح القمة العربية المقبلة في الأردن بمفاجأة سارة ينتظرها كل معني بالشأن العربي.
الدور الدبلوماسي السعودي لتزكية عناصر الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط دور لافت ومهم، لأنه واضح ومع الدول وليس مع ميليشيات وجماعات ومرشدين ومحطات تلفزيونية مريبة تبث الفتنة والفرقة.
شرحت للصديق المصرفي كل ذلك وقال لي بعد أن انتهيت: السعودية تغيرت وهذا في صالح المنطقة كلها. قلت له: أوافقك.. . .