راشد فايد

سواء كان اشتباك مخيم برج البراجنة حادثاً فردياً، سببه تجارة مخدرات وتنظيم سرقات، أو كان صداما "ايديولوجيا" مسلحاً، لبنانيا - فلسطينياً بين "مقاومين"، فإن الثابت والأكيد أن لا هيبة للقانون، ولا سلطة للدولة، تماماً كما على وجه الأرض اللبنانية كلها. ففي الذاكرة، أطلق المخطوفون الاستونيون بمقايضة سياسية – مالية. ولم "يُعرف" الخاطفون المعروفون، ولم يُحاكموا. وبالأمس ظهر نوح زعيتر في صورة "قائد المقاومة"، كما قال، بعدما عرف فريق عمل تلفزيون محلي عنوانه، ولم تعرفه الدولة. وبعده "ظهر" لورد المخدرات علي نصر شمص على فريق تلفزيون أجنبي، ولم "يظهر" على الدولة. ولا تمحو هذه العناوين الكبيرة، ان بعض المتهمين بها أوقفوا، لكن لم تكن الاحكام القضائية ضدهم بمستوى الجرم، وأصدائه الدولية، وأضراره على السياحة والاقتصاد وسمعة الأمن اللبناني. لكن ذلك يتفق وسياسة تدوير الزوايا الشهيرة، أي "بالتي هي أحسن"، أي المرجلة الكاملة على المستضعف، التي لا يرتاح إليها قلب المستقوي على الدولة.

على نسقها، تصيب الضرائب المباشرة المعتدي على الاملاك البحرية، بالنسبة نفسها، وربما أقل التي تصيب المكلفين الذين ينصاعون لـ"حبيبتي الدولة"، فيزداد الأخيرون انصياعا، والاولون تهرباً، علما أن الضرائب عليهم تمنحهم ضمنا، شرعية لمخالفاتهم.


الحلول المالية للموازنة العامة تنسجم مع منطق الدولة الراهن في اعتماد علاجات لا تشفي، لكنها تؤجل الموت، والجاهل في شؤون المال العام، ككاتب هذه السطور، يلفته ان هذه الحلول هي من باب الرتق، لا الحياكة. فلا مداخيل جديدة للدولة، ولا فرص عمل جديدة، ولا استثمارات جديدة، وكيف ذلك اذا كانت ثنائية هانوي – هونغ كونغ الشهيرة لا تزال قائمة في البلد، لمصلحة التسيب المسلح، واستبداد النفعيين، والاقتصاد الريعي البلا انتاج، فيما الادارة العامة تكاد تتفجر من فائض الموظفين الذين تدكهم في مكاتبها زعامات الطوائف، مقدمة الولاء على الكفاءة، وصلة المذهب والطائفة، على بناء الدولة، أو إعادة بنائها، حتى فاق عدد العاملين في القطاع العام الـ250 ألفاً، ولا وعد، برغم المأساة الادارية، بوقف حشر الازلام والمحاسيب. وربما هذه الحال التي من المحال ان تتغير، هي ما يجعل الحكومة الالكترونية حلماً لن يتحقق في لبنان، إلا ربما في زمن أحفاد أحفادنا، وهي السبب الفعلي لعدم احياء هيئات الرقابة الادارية، وعدم "ترشيق" القطاع العام، والخوف المفتعل عند السياسيين من تحويل مؤسسات عامة الى قطاع خاص، يفترض ان تكون عليه رقابة حكومية تحمي المواطن من الاحتكار. وما نمط العلاقة بين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمضمونين إلا صورة لهذا التخلف الاداري.


إعلان الموازنة في الدول - الدول رسالة إلى الداخل، والخارج، عن مدى التأهب للمستقبل، والاستراتيجية الرؤيوية للحكم، وخط فاصل بين اجترار الهواء، واجتراح البناء.