سمير عطا الله

ثمة شبه كبير بين الملك سلمان بن عبد العزيز وبين الجزء الأهم من جولته الآسيوية: اليابان والصين: الشبه الأعمق هو التقدم الشديد، لكن ضمن العراقة. والثاني هو العمل. والثالث التنظيم. توسعت الرياض في ظله من مدينة عادية إلى عاصمة كبرى، وفقاً لدراسات مستقبلية لا تترك مجالاً للخلل. ولم يرد أن يبحث موظفوه عن القدوة في العمل خارج الإمارة، فكان كل يوم أول الواصلين. وكان كل موظف يصل متأخراً، يشعر بالخجل عندما يرى سيارة الملك واقفة أمام مدخل المكتب. وكان مساعدوه يحملون إليه، ظهر كل يوم، ثلاثة ملفات، فيها مئات المعاملات، يراجعها واحدة واحدة، ويوقعها واحدة واحدة.


لم تكن إمارة الرياض في ازدحامها بالناس، وفي حركتها الداخلية، وفي تنظيمها، مثل مركز حكم عربي، بل كانت مثل مدينة في اليابان، أو ورشة في الصين. والقاعدة الوحيدة هي الإنتاج. وبعض مساعدي الملك كانوا يفرشون أسرَّتهم في مكاتبهم لكي يتأكدوا من أن معاملات الناس ومشاريع الإمارة لن تتأخر.
اليابان والصين شريكان عملاقان في كل الحقول. الأولى منذ زمن طويل، والثانية منذ انفتاحها على العالم... شريكان في الاقتصاد، وفي مشاريع التنمية الكبرى، ونموذجان يفاد من تجاربهما في النمو. استغرقت أوروبا أكثر من قرن لكي تؤدي «الثورة الصناعية» إلى طبقة متوسطة واسعة. الصين تعمل الآن على نقل مائتي مليون إنسان إلى الطبقة الوسطى، أي لكي تضيفهم إلى 400 مليون آخرين على الأقل. جرّبت الصين الخطب الطويلة والكلمات الرنانة، وظل الناس يموتون جوعاً في الطرقات. وقررت أن تجرِّب العمل. وها هي على وشك أن تصبح أهم اقتصاد في العالم.
«الأعجوبة السابعة» ليست السور العظيم، بل الانفتاح العظيم. والأعجوبة الأخرى هي اليابان، التي خرجت من الحرب بلا أذرع، لكي تصبح، خلال سنين، في صف الدولة المنتصرة وفي مقدمة دول العالم أجمع.
تدخل السعودية مرحلة جديدة من تحديات البناء. وهي مرحلة غير سهلة على الإطلاق، لكن الملك سلمان بن عبد العزيز، لم يكن مرة إلا رجل التحديات الكبرى. والبحث عن معالم ومواقع الشراكة مع العملاقين الآسيويين، رحلة مليئة بالفوائد المتبادلة. انتهى، منذ زمن، العصر الذي يمكن فيه للأمم أن تحيا معزولة أو مغلقة. ولم يعد في إمكان الشعوب أن تعيش أسيرة القلاع. يليق بالملك سلمان بن عبد العزيز هذا الاحتفاء الآسيوي الاستثنائي. فهو هنا لم يمثل فقط بلده وأمَّته، وإنما يمثل أيضاً نفسه نموذجاً قيادياً في حركة البناء والتقدم.. . .