علي سعد الموسى

على خطى إيران «الثورة» تذهب المؤسسة التركية الحاكمة اليوم في مشوار طويل من الملاسنة والمواجهة السياسية. الفارق ما بينهما ليس إلا طبيعة المسرح وتعديلا طفيفا في قاموس اللغة. اختار آية الله الخميني مواجهة أميركا، وسماها الشيطان الأكبر، بينما ذهب رجب طيب إردوغان إلى مواجهة الغرب الأوروبي،

متهما هولندا الرخوة الضعيفة بالنازية، ثم عاد بقوة ليصف ألمانيا بدولة راعية وداعمة للإرهاب. وكل ما يحصل اليوم من تصعيد تاريخي في لغة خطاب أنقرة تجاه العواصم الغربية يبرهن على أن محور القوى في هذا الشرق الأوسط لم يستفد ولم يستوعب كوارث الخطاب الثوري في عالم اليوم. وصل آية الله الخميني، يوم العودة التاريخية، إلى طهران، وكان عدد الإيرانيين المهاجرين إلى بقاع الأرض يومها لا يزيد على نصف مليون نسمة. لم يكمل هذا الخميني عامه الخامس إلا وقد ارتفع العدد إلى خمسة ملايين مهجر إيراني، واليوم تتحدث الأرقام عن عشرة ملايين. كان أسطول الخطوط الإيرانية ثاني أكبر شركة بعد السعودية، وأيضا كانت إيران ثاني دولة من «بعدنا» في إنتاج النفط، ومن بعدها بدأت ثمار خطاب الكراهية. تستطيع أن تلعن هذا الغرب مدينة بعد أخرى، وتستطيع أن توزع التهم والألقاب كما شئت، ولكنك لن تستطيع الوقوف على كعبيك لعدة أشهر دون تقنية هذا الغرب ودون منتجه ومختبراته ومصانعه وأبحاثه. مشكلة إردوغان أنه يغامر بالحالة التركية الواعدة المزدهرة على حساب، 
أو بالأصح من أجل المجد الشخصي: من أجل تمرير مشروع الدولة الرئاسية بدلا من البرلمانية. تماما مثلما فعل الخميني حين جعل رئاسة الجمهورية أدنى أو تحت ولاية الفقيه كسلطة فوقية مطلقة. وحين نشكر لإردوغان تقديمه الأنموذج الاقتصادي والتنموي التركي المثير للإعجاب، علينا أن نذكره أنه لا زال في مرحلة البذور، وأمام تركيا مشوار طويل جدا يحتاج إلى عقود حتى ولو لتصبح دولة صناعية من الدرجة الثالثة. وفي عالم الصناعة والتقنية ومعادلات الاقتصاد لا يوجد شيء اسمه «دولة مستقلة». شئنا أم أبينا، ففكرة الاستعمار غيرت شكلها من المدفع والجندي الذي كان يحكمنا بالإكراه والقسر، إلى الآلة ولوائح الإلكترون وأشباه الموصلات الفيزيائية، وهو شكل من الاستعمار الذي نسعى إليه بالطلب والاستجداء.
تركيا تعتمد في هذا الشكل من الاستعمار الحديث على منتج الشريك الألماني كأبرز حلفاء النهضة التركية الحديثة. لكن عليها أن تعي أنها تصدر إليه مجرد الخضار والفاكهة حتى اللحظة وتستورد منه كل شيء. حتى مسامير مصنع تجميع الحاسوب والتلفزيون. أمام إردوغان مفترق الخيار التاريخي الصعب: إما أن يعود بتركيا إلى خطاب ثورة ملالي طهران أو ثورة سيئول الكورية التي احتاجت نصف قرن حتى تقف على أطراف الأصابع.