نعمت أبو الصوف

 على الرغم من ضعف أسعار النفط على مدى السنتين الماضيتين، إلا أن مصادر الطاقة البديلة أو المتجددة استمرت في الازدهار، كما أن اتفاق "أوبك" على خفض الإنتاج من المحتمل أن يدعمها أيضا. من النظرة الأولى، ارتفاع أسعار النفط ـــ الذي ينبغي أن يتبعه ارتفاع نشاط الاستكشاف، والحفر والإنتاج ـــ من المحتمل أن يشكل تهديدا لمصادر الطاقة البديلة، على الأقل بصورة هامشية.

حيث إن استقرار صناعة النفط والاستثمارات الضخمة في مشاريع النفط والغاز من الممكن أن يحول الاستثمارات بعيدا عن مصادر الطاقة المتجددة، أو لنقل تطوير السيارات الكهربائية. ولكن ينبغي ألا نبالغ في تقدير هذا التوجه، حيث إن التحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقة البديلة قد أحدث بالفعل ما يكفي من الزخم في بعض قطاعات مصادر الطاقة المتجددة حيث تستطيع مقاومة معظم الانتعاش المتوقع في صناعة النفط. ما يقوم به بعض الجهات في هذا الجانب إلى حد كبير مجرد ضجيج. مصادر الطاقة البديلة لديها الآن القدرة على الصمود والنمو عند أي مستوى لأسعار النفط. في الوقت الحاضر، لا يوجد قلق كبير على مستقبل النفط في قطاع البتروكيماويات. ولكن قطاعي النقل وتوليد الطاقة يبدوان أكثر عرضة بكثير. في هذا الصدد، يشير كثير من المديرين التنفيذيين في صناعة النفط إلى أن الطاقة المتجددة ما زالت غير مستقرة وبحاجة إلى دعم مصادر أخرى، ومدى السيارات الكهربائية محدود. لكن في السنوات القليلة الماضية كان التقدم في كلا الجانبين سريعا، وهناك احتمال أن يتم التغلب عليهما في غضون عشر سنوات، كما أن انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة يعني أن يصبح الدعم المالي بشكل متزايد أقل ضرورة. ويبدو أن أرقام الاستثمار الأخيرة تعكس هذا الاتجاه ـــ حيث انخفضت الاستثمارات العالمية الجديدة في مجال الطاقة المتجددة في العام الماضي بنحو 18 في المائة إلى 287.5 مليار دولار، وفقا لنشرة «بلومبيرج» الخاصة بتمويل الطاقة الجديدة. ولكن هذا التراجع ليس لعدم الاهتمام، بل انخفاض أسعار المعدات كان السبب الرئيس. في الواقع، تمت إضافة 70 جيجاواط من قدرة الطاقة الشمسية في عام 2016، مقارنة بـ 56 جيجاواط في عام 2015؛ بينما انخفضت طاقة الرياح الجديدة إلى 56.5 جيجاواط في عام 2016 مقارنة بالمستوى القياسي 63 جيجاواط الذي سجل في عام 2015، ولا يزال مجموع الطاقات الجديدة المضافة في العام الماضي يعتبر ثاني أعلى رقم على الإطلاق. الاستثمار في طاقة الرياح البحرية، الذي لا يزال مكلفا، وصل إلى رقم قياسي عند 25.8 مليار دولار في عام 2016. الانخفاض الحاد في استثمارات الطاقة المتجددة في الصين، بانخفاض 26 في المائة عن المستوى القياسي المسجل في عام 2015، واليابان بانخفاض 43 في المائة، يعكس تشبع الأسواق هناك. ولكن أحد الأسباب أن هذه البلدان في حاجة إلى استيعاب الطاقات الجديدة التي أضيفت في وقت سابق. في بداية هذا العام، قالت الحكومة الصينية إنها تخطط لإنفاق أكثر من 360 مليار دولار على الطاقة المتجددة بحلول عام 2020، وتخطط أيضا لإضافة خمسة ملايين سيارة كهربائية جديدة خلال الفترة نفسها، وهي بالفعل تصنع الآن سيارات كهربائية أكثر من أي بلد آخر في العالم. في الوقت الذي تركز فيه أسواق النفط على اتفاق "أوبك" لخفض الإنتاج، تتجه أنظار باقي أسواق الطاقة في العالم إلى صناعة البطاريات في الولايات المتحدة. حيث إن البدء بإنتاج كميات كبيرة من البطاريات في مصنع تيسلا Tesla، في صحراء نيفادا في كانون الثاني (يناير)، يعكس هذه المواقف المتباينة. إحدى أسواق الطاقة ـــ النفط ـــ تعلق الآمال على اتفاق "أوبك" لرفع الأسعار وإنعاش الصناعة النفطية. في حين أن سوق البطاريات تقوم بتكثيف الطاقات الإنتاجية وتتطلع إلى تطور تكنولوجي سريع الخطى. في هذا الصدد، يخطط مصنع تيسلا لمضاعفة الطاقة الإنتاجية العالمية لبطاريات الليثيوم ـــ أيون بحلول العام المقبل. بعض هذه البطاريات ستوفر الدعم لتوليد الطاقة الشمسية والرياح لأصحاب المنازل وعلى المستوى الصناعي. والبعض الآخر سيوفر الطاقة لسيارات تيسلا الجديدة، التي تأمل الشركة إنتاجها على نطاق واسع بمساعدة شركة فورد، حيث تسعى شركة تيسلا لإنتاج نحو نصف مليون سيارة من هذا النوع بحلول عام 2018. ليست شركة تيسلا وحدها في هذا الجانب، فهناك شركات من الصين وألمانيا تعمل على إنتاج حافلات تعمل بالكهرباء. حيث إن خفض التكاليف والسير لمدى أطول قد يحفزان المستهلكين على التحول السريع، بعيدا عن محرك الاحتراق الداخلي، إلى السيارات الكهربائية، بغض النظر عن أسعار الوقود التقليدية. ومما لا شك فيه أن ارتفاع أسعار النفط، سيكون في مصلحة الطاقة البديلة، خصوصا في مجال النقل. على الرغم من ارتفاع أسعار النفط منذ اتفاق "أوبك"، إلا أن شركات النفط العالمية الكبرى حذرة جدا بشأن الاستثمار في تطوير مشاريع استخراجية جديدة، خصوصا العملاقة منها. لكن أصحابها في المقابل عززوا استثماراتهم والتزاماتهم في مجال الطاقة المتجددة. البعض منهم، كما في شركتي شل وتوتال، يحاولون تركيز استثماراتهم على الغاز الطبيعي بعيدا عن النفط. حتى السعودية، تخطط استراتيجيتها لما بعد النفط، حيث تعتزم المملكة استثمار نحو 50 مليار دولار في مشاريع الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2030، فضلا عن الاستثمار في الغاز، كما تقوم المملكة أيضا بإلغاء الدعم على البنزين والكهرباء. كل هذا جزء من "رؤية المملكة لعام 2030 " التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على النفط فقط. من الجدير بالذكر هنا أن عامين من ضعف أسعار النفط جلبا بعض النمو إلى الطلب على النفط، ولكنهما لم يفعلا ما يكفي لوقف تقدم الطاقة البديلة، والأسعار الأكثر قوة الآن لن تكون سوى دفعة لمصادر الطاقة المتجددة في المستقبل.