حمود أبو طالب

خبر مهم ربما يمر على الكثيرين مرور الكرام، وربما لا يلاحظه البعض في زحمة الأخبار التي تنهمر بغزارة على مدار الساعة. في اعتقادي أن هذا الخبر يمثل تحولاً نوعياً في صيغة الخطاب الإسلامي الموجه للآخرين، وبالتالي استطاع أن يترك أثراً إيجابيا ويحقق نتيجة ملموسة على صعيد مؤسساتي دولي مهم.

الخبر يفيد بأن توصيات مؤتمر «الإسلام في أوروبا والإسلاموفوبيا» الذي عقد في برلمان الاتحاد الأوروبي في بروكسل، أقرت كلمة رابطة العالم الإسلامي التي ألقاها الأمين العام للرابطة الدكتور محمد العيسى، كوثيقة مهمة للعمل بها، وعلق عدد من حضور المؤتمر بأن الكلمة تتحدث بتحليل منطقي عن الواقع وتضع الحلول لإشكالات معقدة سببت عددا من الأخطاء في التشخيص والمعالجة، وأكدوا أن الكلمة تحمل خطابا وسطيا متسامحا يمثل حقيقة الإسلام الذي تعايش مع الجميع عبر أكثر من 1400 سنة حقق فيها سمعة حسنة قادته للانتشار الطبيعي، وأن هذا يشكل مسلمة لأنه لا يمكن أن نقبل بأن الإسلام انتشر بالقوة واقتنع الناس به لأن القناعات لا يمكن فرضها بأي حال.

كلمة الدكتور العيسى يمكن الرجوع لها في أي مصدر إخباري، ولكن للتنويه والإشارة فإن مما قاله في كلمته: «إن التسليم الإيجابي بالفروق الطبيعية بين الحضارات يُفضي الى الإيمان بسنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية، وقد أمرنا الخالق أن نتعارف لنتقارب، ونتقارب لنتعاون، ونتعاون لنكسر حواجز البرمجة السلبية التي صاغت بعض العقول التي تستطلع من زاوية واحدة بعيدا عن الإنصاف والوعي، وأن خطأ التشخيص وخطأ المعالجة يقودان لفصل تأريخي جديد من الصدام الحضاري». ويضيف بأنه «من الخطأ الفادح أن يكون الاختلاف الديني والثقافي والفكري وأخطاء التشخيص سببا للكراهية والأحقاد التي تعد المغذي الرئيسي للتطرف والإرهاب، وأن الإسلاموفوبيا أنموذج للتطرف العنيف يعطي الأبرياء الذين يحملون الاسم الذي سمى به المجرم نفسه نفس الحكم الصادر عليه، وأن الإرهاب لم يكسب من الأتباع إلا عصابة مختلة في وعيها وفهمها من المحسوبين اسما على الإسلام، وفئة أخرى قابلتها بالتطرف المضاد».

من الطبيعي أن يتوقف حضور المؤتمر عند خطاب واعٍ وناضج وواقعي كهذا الخطاب ويقدرونه ويقرون مضامينه كوثيقة للعمل بها، لأنه خطاب عقلاني وإنساني يحترم الحقائق ويحترم عقل المتلقي وإدراكه، ويقف بشفافية عند الإشكالات والأخطاء القائمة مع الاعتراف بمسؤولية كل طرف تجاهها ودوره في إيجاد الحلول لها.

لفترة طويلة كان الخطاب الإسلامي الذي تقدمه بعض الجهات في المؤتمرات والملتقيات والمحافل الدولية خطابا قاصراً لأنه يتحدث بمثالية مغالية نيابة عن كل من ينتسب للإسلام بلا استثناء، دون اعتراف بأخطاء بعضهم، وتحميل الآخرين كل المسؤولية بصورة مطلقة، وذلك ما أدى إلى تفاقم الإشكالات واتساع الفجوة وتعقيد كثير من القضايا المتعلقة بالتعايش والوئام مع مجتمعات العالم، لنصل إلى ما وصلنا إليه من وضع مأساوي سمته الكراهية وتعميم الأخطاء وأخذ البريء بجريرة المسيء.

لقد أصبح في غاية الأهمية اختيار من يتحدث عن الإسلام لدى المجتمعات والدول الأخرى في هذه الظروف الحرجة لتقديم خطاب كهذا الخطاب الذي قدمه الدكتور العيسى، والقادرون على ذلك كُثر إذا بحثنا عنهم.