ابتسام الزهراني

جذب أدب الرحلات المؤرخين والباحثين إلى دراسة ما فيها من مكنونات علمية، قد تثري الكتابة التاريخية لدراسة تاريخ أي عهد من عهود الدولة السعودية الحديثة، حيث اعتمد أغلب الباحثين بشكل أساسي للتأريخ على الرحلات القادمة والممولة من الغرب الأوربي كرحلة بوكهارت، وفارتيما، ورحلات جون فيلبي،

والقائمة تطول بهم، وأغفل الكثير الاهتمام بأدب الرحلات الأردي والقادم من الهند وباكستان بشكل خاص لاهتمامهم بتسجيل التفاصيل الخاصة بالنواحي الدينية والثقافية، حيث إن أدب الرحلات يعد من أهم الدراسات النقدية والتاريخية والتحليلية والتوثيقية، إذ تحتوي الرحلة على يوميات الرحالة، وحياته، وأسماء الأماكن التي عرج عليها، وزمن الرحلة، والطرق التي سلكها، والشخصيات التي التقاها وتأثر بها ونقدها، وتفاصيل دقيقه عن الحياة الاجتماعية والناس والعادات والتقاليد والحياة والمرأة والطفل والملابس والأكل وخلافه.


كثرت الدراسات والبحوث في تاريخ السعودية، من خلال توظيف مصادر التاريخ والاستعانة بأدب الرحلات الغربية، فحان الوقت إلى تنويع مصادر المعلومات وأخذها من منظور آخر غير وجهة النظر الغربية، وأشهر من سجل رحلته باللغة الأردية عن تاريخ السعودية هو الشيخ مسعود عالم الندوي، من أشهر أعلام الهند وباكستان، فهو داعية من خريجي ندوة العلماء في الهند، انتقل إلى باكستان ويعد من أوائل الأشخاص الذين كتبوا عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، موضحا دعوة الشيخ وأهدافها. ولد عام 1910م في مديرية بتنا في بهار في الهند، عمل والده في مهنة الطب، تربى تربية علمية حيث التحق بالمدرسة وتعلم اللغة العربية والعلوم الشرعية، وأكمل دراسته العليا في ندوة العلماء، متخصصا في الأدب العربي، حيث تأثر بالعالم المغربي الشيخ محمد تقي الدين الهلالي، وأسهم بالمشاركة في عدة مجلات إسلامية صادرة من الهند، مثل الضياء والهلال والترجمان، وعمل في ترجمة أكثر من 20 كتابا من مؤلفات المودودي إلى اللغة العربية، وألف الندوي عدة كتب بالعربية والأردية، أشهرها كتاب عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعنوان "محمد بن عبدالوهاب مصلح مظلوم ومفترى عليه"، ورحلته المشهورة بعنوان "شهور في ديار العرب" سنة 1949، التي كتبت باللغة الأردية وترجمت إلى العربية على يد سمير عبد الحميد إبراهيم، وطبعت في مكتبة الملك عبدالعزيز عام 1999، في 648 صفحة، حيث تعرف من خلال هذه الرحلة على عدة مدن عربية قام بزيارتها وتسجيل انطباعاته عنها، وتواصل مع عدد من رجال الفكر والعلم مثل شكيب أرسلان والشيخ محمد الإبراهيمي، حيث قال فيه أحد العرب "مسعود الندوي من العلماء الذين يزينهم التواضع والبساطة في المظهر والملبس والحديث، وكما هو شأن أغلب علماء شبه القارة الهندية"، بدأ رحلته خارجا من ميناء كراتشي إلى ميناء البصرة، ومنها إلى بغداد في العراق ثم عاد إلى البصرة ثم الزبير ثم إلى الكويت وبعدها إلى الرياض، حيث التقى الندوي في زيارته الملك عبدالعزيز وولي عهده في تلك الفترة الأمير سعود بن عبدالعزيز في أول يوم من أيلول (سبتمبر) 1949، وتواصل مع عدد من العلماء والشيوخ في الرياض، وسجل عددا من التفاصيل حول الحياة العلمية والثقافية والأدبية والاجتماعية والعمرانية والسياسية، والاقتصادية أيضا، بعدها انتقل إلى الحجاز لزيارة الأماكن المقدسة واستمرت رحلته نحو نصف عام أو أكثر، وكان الهدف من الرحلة زيارة الحرمين الشريفين لأداء فريضة الحج، فكان الطريق للوصول يبدأ من شرق الجزيرة العربية مرورا بوسط الجزيرة وصولا إلى الحجاز قبل أن يتوافر استخدام المواصلات الحديثة، بعد الانتهاء من رحلته قرر مسعود الندوي تكرار زيارة المشرق العربي مرة أخرى وإعداد رحلة جديدة عام 1954، لكن توفي قبل أن يبدأها ــــ رحمة الله عليه ـــ في 16 آذار (مارس) 1954 وتمت مراسم الدفن بحضور عدد من السفراء والعلماء والشخصيات المهمة عن عمر يناهز 44 عاما.
في رحلته الأولى قدم وصفا جليا عن مدينة الرياض في عام 19499، فبدأ حديثه عن الرياض قائلا "الرياض قصبة في بلاد عارض، وهي مسكن بني تميم القديم"، ثم بعد ذلك تحدث عن حكم الملك عبدالعزيز قائلا "تولى جلالة الملك حكم البلاد منذ 49 عاما، وفي عهده ازدهرت الرياض بشكل ملحوظ بعد تأسيسه البلاد، وبعد اكتشاف النفط"، ووصف بعد ذلك بلاط الملك عبدالعزيز قائلا "فدخلت إلى بلاط جلالة الملك عبدالعزيز صالة كبيرة مهيبة مفروشة بالسجاد الفخم النظيف، وصفت الكراسي والطاولات، وكان الحاجب والحراس يقفون خارج الصالة"، بعدها وصف دار الضيافة الخاصة بالضيوف العرب والأجانب قائلا "توجد داران للضيافة دار للعرب وأهل نجد والقبائل، ودار خاصة بالمسؤولين الحكوميين الكبار والأجانب"، وبعدها وصف الرياض كمدينة قائلا "فهي على الطراز القديم والحواري ضيقة، والبيوت من الطين، وفي الليل تتراءى بعض الأنوار الكهربائية في أماكن متفرقة، فعرفنا أن هذه الأحياء للأمراء والعاملين معهم"، تطرق إلى طرقات الرياض غير المعبدة وقلة الطرق المعبدة، خاصة التي توصلهم إلى المطار، وقلة امتلاك السيارات إلا للأسرة المالكة وميسوري الحال، وتطرق بحديثه أيضا عن بعض عادات الكرم والجود عند أهل الرياض، ولقائه العلماء والشيوخ أمثال الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبداللطيف، وتطرق أيضا إلى التعليم في عهد الملك عبدالعزيز في الرياض، حيث قال "إن الرياض لا يوجد فيها سوى ثلاث مدارس ومرحلة واحدة، ومدرسة ذات تنظيم قديم، مع وجود حلقات الدرس حول الشيوخ والعلماء، وعقد مقارنة بين تطور التعليم في الحجاز والرياض، حيث التفاوت الظاهر.
إني قرأت عددا جيدا من الكتب والمؤلفات التاريخية حول تاريخ مدينة الرياض منذ العصر الإسلامي حتى العهد الحديث، فقد كتب الدكتور عبد الله بن إبراهيم العسكر كتابا صدر عن دار جداول في عام 2012 بعنوان "تاريخ اليمامة في صدر الإسلام ـــ محاولة للفهم"، مستخدما النظرية الإقليمية في دراسته محاولا فهم تاريخ اليمامة في تلك الفترة الحرجة، التي أغفل كثيرون تأريخيها، لما حدث فيها من أحداث أسهمت في إهمال الكتابة التاريخية عنها، وهذا الأمر انقضى منذ قيام الدولة السعودية الأولى والثانية والسعودية الحديثة، فزاد عدد المؤرخين المهتمين بتأريخ مدينة الرياض وقياس مدى تطورها منذ أن كانت عاصمة للدولة السعودية الثانية، والقفزات الرائعة التي حدثت منذ أن استعاد الملك عبدالعزيز الرياض عام 1319هـ/1901م، فالرياض كانت محط أنظار عدد من الرحالة الأجانب مثل لويس بيلي ورحلته إلى الرياض للقاء الإمام فيصل بن تركي، والرحالة وليم بلجريف في رحلته الموسومة برحالة في شبه الجزيرة العربية، وما قد وثقه جون فيلبي عن الرياض في عدد من مؤلفاته، بجانب مؤلفات عدد من المؤرخين السعوديين مثل الشيخ حمد الجاسر في كتابه مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ، والدكتورة مضاوي بنت حمد الهطلاني، التي أرخت هي بدورها في رسالة علمية لمرحلة الدكتوراه عن مدينة الرياض منذ تاريخ 1319-1395هـ/ 1902-1975م، حيث تحدثت عن التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لهذه المدينة في عدد صفحات لا يزيد على 399 صفحة، ولا نغفل أيضا أهمية كتاب الدكتور عبدالله المنيف الموسوم بـ "أمراء الرياض" الذي أرخ فيه لأمراء الرياض وتطرق فيه إلى جوانب مختلفة من التنظيمات الإدارية، فتنوع المصادر التي كتبت عن مدينة الرياض زاد من أهمية المادة العلمية المطروحة باعتبارها مركزا للنشاط السياسي والاقتصادي منذ استعادة الملك عبدالعزيز للرياض، إذ لم يكن ذك مجرد حدث تاريخي يؤرخ له بل صناعة لتاريخ مدينة، لها ثقلها السياسي والدولي في العالم منذ أن صعد اسم الدولة السعودية الحديثة، فقد كتب الدكتور سمير عبدالحميد إبراهيم بحثا جميلا معنونا بـ "وصف مدينة الرياض في الأدب الأردي" بين عامي 1368-1379هـ/ 1949-1959م في مجلة الدرعية التاريخية في السنة الثالثة العدد التاسع، حيث أكد أن وصف مدينة الرياض والتأريخ لها من خلال الشعر والأدب الأردي لم يكن حديثا، إذ بدأ ذكر نجد عامة ضمن شعراء وأدباء شبه القارة الهندية منذ تاريخ 1887، حينما رسم الأديب الأردي مرزا محمد هادي "نجد" في مسرحيته مجنون ليلى، والشاعر والمفكر الإسلامي محمد إقبال أشار إلى "نجد" في أشعاره، إذ إنها تمثل رمزا شعريا لدى المسلمين، ولم يقتصر الحديث على العهد القديم للمدينة، بل هناك من تحدث عنها ضمن رحلته، وكان الأديب محمد سليمان منصور بوري قد كتب في رحلته إلى الحجاز عن الرياض قائلا "والرياض العاصمة، حيث توجد حكومة الأسرة السعودية، يكثر فيها النخيل والحيوانات، خاصة الخيول والإبل والخراف والماعز، وسكانها معظمهم بدو رحل...".