سابين عويس

لم يكد مجلس النواب يصدق على بضعة إجراءات من الرزمة الضريبية المقترحة، حتى بدأ التجار برفع أسعارهم، قبل أن تدخل هذه الاجراءات حيز التنفيذ، مما استدعى تحرك وزارة الاقتصاد والتجارة وتحذيرها أمس في بيان من لجوء "بعض المحال التجارية إلى رفع الاسعار من دون مبرر في محاولة لاستغلال ما حصل من بلبلة حول مناقشة المجلس النيابي لبعض الضرائب".

حسنا فعلت الوزارة في التحرك. فهي من جهة اعترفت بحالات الاستغلال التي بدأ المواطنون يتعرضون لها جراء الحديث عن ضرائب جديدة، بما يستدعي منها جهوزية تامة لمواجهة تزايد هذه الحالات عند دخول الضرائب حيز التنفيذ، وسيكون أمرا صعبا على الوزارة بإمكاناتها المحدودة، وهي اعترفت من جهة أخرى بالبلبلة التي رافقت تطيير نصاب الجلسة التشريعية أول من أمس. وقد تعذر على المواطنين حتى اليوم فهم حقيقة ما حصل ومن يقف وراء تطيير الجلسة ومعها السلسلة!
وباستثناء تحميل رئيس الكتائب سامي الجميل، والتهويل الاعلامي والتسريبات الكاذبة مسؤولية ما حصل، لم يخرج مسؤول يشرح للبنانيين الاسباب التي دفعت نوابهم الى عدم النزول الى المجلس وممارسة الدور المنوط بهم تشريعيا، تماما كما لم يخرج مسؤول قبل ذلك ليقدم عرضا وافيا للبنانيين - وهم الذين سيتحملون العبء الضريبي وحدهم دون غيرهم - عن التوجهات المالية والاقتصادية والضريبية للحكومة التي أملت عليها اللجوء إلى هذه الرزمة من الضرائب وليس غيرها.


لا يكفي أن يقول مسؤولون إن الرزمة الضريبية لا تطال ذوي الدخل المحدود والمتوسط، ليصدقوا قولهم. كما لا يكفي القول إن الرزمة مرتبطة بإجراءات إصلاحية، بما أن التشريع بدأ بالضرائب ولم ينته بالإصلاح أو بإقرار سلسلة الرتب والرواتب التي من أجلها دخلت البلاد في لعنة التشريع في ظل تعثر الإصلاح، ولعنة الضرائب في غياب النمو!
طارت الجلسة العامة، وطارت معها كل الالتزامات المسبقة من القوى السياسية حيال السلسلة والضرائب.


وبحسب المعلومات المتوافرة، من كان سبق تحديد موعد الجلسة التشريعية تفاهم بين مختلف القوى السياسية على إقرار السلسلة وجدول تمويلها. وعلى هذا الاساس، دعا رئيس المجلس إلى انعقاد الهيئة العامة للمجلس.
لكن ما كان لافتا أن التصديق لم يبدأ بالسلسلة، بل تُركت إلى آخر جدول الاعمال، في حين أن الاولوية لإقرارها، ومن ثم إقرار تمويلها وليس العكس. وعليه، بدأ البحث في الضرائب قبل الاجراءات الاصلاحية المقترحة.
لم يعط النواب أي إشارة إصلاحية أو جدية لتعاملهم مع هذا الملف. بل على العكس، ما إن بدأ النقاش في الضرائب حتى بدأت المزايدات السياسية الشعبوية. فتمسك "حزب الله"، عند طرح الزيادات على الضريبة على القيمة المضافة والطوابع والصكوك والتبغ، بمواقفه المعارضة لفرض أي ضريبة على "الفقراء"، معللا النفس بالقسم الثاني من الرزمة الضريبية، التي تصيب الشركات وأصحاب الأرباح.
لم يحلُ للكتل الاخرى أن يغني كل فريق على ليلاه. فيرفض مثلا الرسم على التبغ لمنع التهريب نظرا الى انعكاسه على تراجع واردات الخزينة، ولكنه يقبل على المشروبات الروحية حتى لو زاد التهريب وتراجعت الايرادات. فهنا الايرادات للخزينة اما هناك فالايرادات تمر أولا في إدارة حصر التبغ والتنباك.


وإذا كانت القطبة المخفية التي طيرت النصاب أمس على خلفية هذه المزايدات، تكمن في حالة اصطفاف شهدتها الكتل في الموضوع الضريبي، إذ بدا أن ثمة من يحمي قطاع التبغ مقابل من يحمي اصحاب المخالفات على الاملاك البحرية، او الشركات والمصارف (الضريبة على الارباح وعلى الفوائد المصرفية، وهي البنود الدسمة المتبقية على الجدول أمام الجلسة التشريعية المقبلة)، فإن ثمة من يذهب أبعد إلى التخوف من ارتدادات ما يحصل في الشارع راهنا، واحتمال تكرار مشهد الجلسة التشريعية الشهيرة التي طيرت السلسلة قبل 3 أعوام ( 1/10/2014 ).


في تلك الجلسة، أقرت بنود ضريبية لكنها لم تدخل حيز التنفيذ بسبب تعليق الجلسة وعدم إقفال محضرها ونشر قراراتها في الجريدة الرسمية.


والمشهد يتكرر اليوم: فبعدما أقرت الهيئة العامة نصف البنود الضريبية غير الخاضعة للاعتراض الاقتصادي، وقبل بدء النقاش في البنود الدسمة المتصلة بالشركات والارباح والمصارف والتحسين العقاري والاملاك البحرية، طار النصاب وعُلقت الجلسة التشريعية من دون ان يقفل محضرها أو يتاح نشر قراراتها في الجريدة الرسمية. وباتت الكرة الآن في ملعب رئيس المجلس مجددا، في انتظار أن يوجه دعوة جديدة (مرتقبة الاربعاء ولكن غير مؤكدة بعد) لجلسة عامة تستكمل البحث من حيث توقف.


وتشكل مثل هذه الدعوة محكا للقوى السياسية لترجمة التزاماتها تجاه السلسلة والضرائب، فإما تمضي في مسارها وإما تعيد تجربة الـ2014. ولكن في كلا الحالين، ليست مسرحية ساحة النجمة قبل يومين إلا تغطية أو تعمية على المشهد الأكبر المتصل بقانون الانتخاب.