علي سعد الموسى

قال لي رفيق الرحلة ونحن في دهشة الزحام وفي الطابور الطويل للتفتيش على البوابة الثالثة في معرض الرياض للكتاب: ما الذي تراه في مثل هذه الصورة؟ فوراً أجبت: كل استغرابي وذهولي أنني لا ألمس في هذا المجتمع حركة وعي وتنوير رغم هذا الإقبال على شراء الكتاب،

أين تذهب أوراق وأفكار هذه الكتب الهائلة المشحونة في أكياس آلاف المتسوقين؟ وهل ستنتهي مجرد ألوان وعناوين للزينة؟ قلت له وللتشبيه: لا تشبه هذه الصورة من هذا الزحام المخيف على شراء الكتاب سوى حقول قريتي التي تستطيع أن تستوعب كل مياه الغيوم السوداء في بضعة أيام من مواسم الأمطار حد الملل والسأم من المطر، ولكنك تجدها جرداء قاحلة بعد بضعة أسابيع من الطوفان والغرق.
خرجت من المعرض في ساعة متأخرة ولازال الطابور طويلاً للداخلين على منافذ الأمن والتفتيش، سأقول لكم ما يلي: لو أننا سمحنا لحراس الأفكار وسدنة سجون العقل بالسيطرة على ما نقرأ أو نكتب أو نشتري من هذا المعرض الضخم لغيروا بأيديهم اتجاهات التفتيش. كانوا سيضعون الأجهزة في طريق المغادرين وفوق أكياس الزبائن ليمنعوا خروج ما شاء لهم من العناوين والكتب وأسماء المؤلفين. الكتاب بالنسبة لمثل هؤلاء هو أخطر قنبلة، ومعارض الكتب بالنسبة لهم هي من تسحب بساط الوصاية البطركية في عوالم الفكر التي سيطروا بها علينا طويلا، وهم أيضاً لن يكونوا سعداء بهذه الآلاف الهائلة من العناوين التي جاءت من كل الدنيا لتسكن أمام هذا الظمأ المعرفي الجارف في مجرد صالة وخيمة تحت قبة معرض.
وفي الخاتمة: تاريخ هذا المعرض القصير في بحر الزمن لا يعكس سوى رحلة التحول للمجتمع السعودي في رفض الوصاية، ولك من الشواهد حين تدرك الفارق في حوادث الاستفزاز وعناوين الإثارة الإعلامية لهذا «الكارتيل» وباسم الاحتساب ما بين المعرض الأول حتى الأخير الذي انتهى أمس سليماً إلا من حادث وحيد عابر.