سمير عطا الله 

 في مصر جدال إعلامي شديد حول الأوضاع الطبية؛ من أدوية وعلاجات ومستشفيات. ويرسم كتّاب الصحف الكبرى صوراً لا تصدق لما يعانيه المرضى، وللعصابات التي تتاجر بالأدوية الحكومية، فتحرم منها البسطاء من مستحقيها. والجدل حول القصور في الضمان الصحي ليس وقفاً على مصر وحدها، إنه جدل يومي مزمن في بريطانيا، وموضع خلاف بين باراك أوباما ودونالد ترمب في الولايات المتحدة. لكن ما نقرأه عن الضمان الصحي في مصر، لا يقارن بأي مكان.


العامان الماضيان عشنا في لبنان تجربة لا مثيل لها في العالم الثالث: تصرف وزير الصحة وائل أبو فاعور وكأنه ملك الصحة، لا وزيرها. رمى البيروقراطية الصدئة جانباً وتولى بنفسه دحر الفساد، ومعاقبة الفاسدين، وتسريع معاملات المرضى، وتأمين الدواء، وإغلاق دكاكين وزارة الصحة ومستشفياتها. وخفنا على وائل أبو فاعور من العصابات والمافيات، أما هو؛ فلم يخف. وعندما ترك وزارة الصحة، ترك خلفه تجربة لا مثيل لها في ذاكرة اللبنانيين.
أتمنى لمصر، ولكل دول العالم الثالث، وزراء صحة مثل وائل أبو فاعور، وإلا فإن المرضى سوف يظلون يموتون على أبواب المستشفيات. وأتمنى لبريطانيا ودول العالم الأول، نظاماً صحياً مثل فرنسا أو اسكندنافيا. كنت قد وعدت منذ سنين بألا أتحدث أبداً في هذه الزاوية عن مشكلتي مع ألم المفاصل.
سوف أكسر الوعد للسبب التالي: طلب مني طبيب فرنسي أن أخضع لعلاج يستمر أربعة أسابيع، من دون أن أقطعه بسفر، أو تغيب، أو حتى رحلة بالقطار إلى لندن، أرقى أنواع السفر. ورأيتني في المستشفى مع مجموعة من البشر الذين يجمع بينهم أمران: فرنسا، والمفاصل.
والفارق بيني وبين هؤلاء الرفاق من فرنسيين وأفارقة وعرب، أنهم مواطنون يتمتعون بالضمان الصحي، أما أنا فمعالج «خاص». وعندما جئت في اليوم الأول، سألتني الموظفة: «هل تملك وسيلة نقل؟»، فأجبت بالإيجاب. وفي اليوم التالي تغيرت موظفة الاستقبال، فسألتني زميلتها: «هل تملك وسيلة نقل؟»، قلت: أملك. لكنني أضفت: لماذا يطرح عليّ هذا السؤال، هل له علاقة بمواعيد العلاج وغيره؟ وشرحت لي السيدة أن لكل «مضمون» في فرنسا الحق بأن تتكفل الدولة بنقله من البيت وإليه، لأنه في وضع لا يسمح له بقيادة السيارة، أو تحمل مشاق «المترو». وهل تعرف ماذا أيضاً؟ الصحافة تتذمر دوماً من مستوى الضمان الصحي.. .