خالد صالح الفاضلي

هل تشعر بأنك تخاف من خطر لا تعرفه؟ ولا تعرف مصدره، أو توقيت انقضاضه، هل تشعر بأن ثمة أحدا يتربص بك؟ أو قدراً مجهولا، هل أنت خائف من غد؟ أو بعد غد، هل تجد نفسك مضطرا للتجديف اليومي في الحياة حتى لا تغرق في بحر فواتيرك؟ مصاريفك، التزاماتك، وأحلامك، هل أنت مرعوب - مثلي - إلى حد التفكير بالرحيل؟

نتفق، أنت وأنا، في استشعار وجود إرباك ذهني، معيشي، وعدم استقرار أينما رحلنا أو مكثنا، وكأننا مرتبطون مع البلاد والعباد بمجال مغناطيسي طارد، وعلى رغم أننا نتعرق كل مساء بحمى القلق، فإننا نختلف جميعاً في استقراء السبب.

بالنسبة لي، سأقول أحد الأسباب العريضة، ولك أن تؤمن أو تخمن غير ذلك، فربما لا تروق لك قناعاتي (أولها: بعض السعوديين متأمر اجتماعياً، واقتصادياً، وحضارياً ضد بلده) ويعمل بعضهم في حروب باردة ضد أمته ووطنه.

انخرط سعوديون، وسعوديات في محاربة اقتصاد البلاد والعباد، رافعين رايات التستر (تعريفه: السماح لعامل وافد بسرقة فرصة استثمارية ناجحة من مواطن، وسرقة دخل قومي من وطن)، وبالمقابل نقل حظوظ الفقر والعوز من كتف الوافد إلى كتف المُواطن، وهي حرب بارة ومشتعلة، ولن نستطيع الإحساس بنارها إلا إذا استبدلنا جلودنا!

كانت الحرب الباردة الأشرس، والأكثر نجاحاً، ضد (لقمة عيش الأنثى)، حصار اقتصادي عريض ومديد، نتج عنه إخراج البنات من مشاركة الأسرة في تنمية مصادر وتنوع الرزق، وكذلك قتل جماعي للروح المعنوية للسيدات، وعلى رغم أنها حرب توشك على الانتهاء لصالح النساء، فإن دخول بعض المتنفعين على امتداد سنوات طويلة كشريك تنفيذي في تلك الحرب (عن وعي أو بدونه) يستوجب البحث عن جواب لسؤال: كيف تم اختطاف جزء من الدولة لمجابهة الدولة؟

تكاثرت حروبنا الباردة وانهكتنا «بشراً وحجراً» وتكاثرت في جنباتنا «مافيا» متعددة الجنسيات، فصناعة الغذاء في جيوب وأيادي «المافيا الشرق آسيوية»، يملكون رفوف بقالات في قرانا النائية، ويسيطرون على خطوط التوزيع لكل مآكل ومشرب، وكذلك تفعل كل جنسية، لها في بلادي مافيا ومستعمرات اقتصادية.

كان جليا وواضحا، أن «المال» هدف أساسي لكل مافيا أجنبية تعمل في السعودية، والمال فقط، بينما نجح السعوديون في تأسيس نمط وحيد من «المافيا» يتحكم في مصانع وخطوط إمداد وتوزيع «التطرفية الفكرية».

تحضن بعض مدارسنا وجامعاتنا قوة تأثيرية على أطفالنا وشبابنا، إلى «ثقافة تطرفية» ضد كل محاولات الدولة والأمة السير نحو سلم حضاري مع المسرح، السينما، السياحة، الفنون، الآثار، وكذلك التصالح والتسامح مع الآخر، وهو جيش يتجسد وينشط كمافيا فكرية، لا تتوقف عن ممارسة حروب باردة ضد الدولة ومستقبل الأمة، له قيادات مراوغة تدفع رواتب جيوشهم من الدولة.

تلك أنماط من بعض حروبنا الباردة الكبرى، يتزامن معها حروب باردة بين أفراد الأسرة، أو بين زملاء العمل، لذلك فحياتنا تزداد ثقلاً ما لم يعد الإنسان إلى وطنه، محارباً من أجله، وليس ضده.