زهير فهد الحارثي

يخطئ كثيراً نصر الله إن كان يظن أن كلامه سيؤثر على متانة العلاقة ما بين البلدين، فموقف المملكة من لبنان مبدئي وإنقاذي، فكانت على الدوام إلى جانبه وستستمر في مؤازرته ليقينها أن هذه الإساءات لا تمثل الشعب اللبناني..

مواقف متعددة صدرت في لبنان في الآونة الاخيرة أثارت الكثير من التساؤلات وعكست حقيقة دقة المرحلة التي يمر بها بدليل ما يشهده من استقطاب حاد بين مكوناته السياسية والاجتماعية وتشكيل خارطة من التحالفات والاصطفافات. ليس سرا في أن الحل يكمن في التوافق وتقديم التنازلات وتغليب مصلحة لبنان على المصالح المذهبية والفئوية والحزبية، ولكنها أجندة القوى الإقليمية التي لا تعرف إلا مصالحها فقط.

المواقف التي أطلقها الأمين العام لميليشيا حزب الله تندرج تحت هذا التحليل حيث تعرض فيها للمملكة والإمارات متجاوزا كل الخطوط، فالسيد يستعدي العرب واصفا إياهم بالجبناء، أما ثورة إيران فهي في نظره الثورة التي غيرت وجه التاريخ. الحقائق تقول إن ما يصنعه نصر الله هو تنفيذ أجندة إيران على حساب الوطن اللبناني بالمشاركة في قتل الشعب السوري ما يجعل القانون الدولي يصنفه كمجرم حرب عابر للحدود لأنه ذهب مقاتلا لشعب أعزل بميليشيات مرتزقة.

رأى البعض في تلك التصريحات أنها ضربة موجعة للعهد الجديد لا سيما أن الرئيس عون دافع عن سلاح الحزب في تصريحات لم ترق للكثيرين على اعتبار أن الحزب وأمينه العام أضرا بسمعة ومصالح لبنان. كان هناك تفاؤل بالعهد الجديد في لبنان انطلاقا مما تضمنه خطاب القسم وليكون جسرا لكل المحاور وليس لمصلحة طرف ضد آخر.

في هذا السياق الزميل حازم صاغية كتب في الحياة معلقا على تصريحات الرئيس اللبناني مؤخرا بقوله "ليس صحيحاً ما قاله رئيس الجمهورية من أن لا تناقض بين الدولة والسلاح الذي ليس في يدها. وليس صحيحاً أن لا تناقض بين الدولة، ومعها المؤسسات والحريات المكفولة بالقانون، والمقدّس. والواقع وتجارب الماضي القريب تقنعنا بأنه كلما زادت قداسة المقدّس (أمين عام حزب الله مثلاً، أو القضية التي ينتدب نفسه لتمثيلها) زادت احتمالات الدوس على الحريات والمؤسسات والدولة. ذاك أنه ما من شيء مقدّس إلا المقدّس، أي المنزّه عن الحياة الزمنية والسياسية. غير ذلك عنف دائم.. وهذا يبقي السلم -الذي «نُحسَد عليه»- هشّاً جداً وظاهرياً جداً".

لخص الزميل صاغية المشهد اللبناني ومعاناته، أضف إلى ذلك البيان الذي صدر عن تيار المستقبل غداة تصريحات نصر الله، وكان بمثابة صفعة قوية لحزب الله، فالبيان جاء واضحا ومباشرا وصريحا في مضمونه ولغته وتناول جوانب عدة مغلبا المصلحة الوطنية فسمى الأشياء بأسمائها متضمنا رسائل واضحة.

يخطئ كثيراً نصر الله إن كان يظن أن كلامه سيؤثر على متانة العلاقة ما بين البلدين، فموقف المملكة من لبنان مبدئي وإنقاذي، فكانت على الدوام إلى جانبه وستستمر في مؤازرته ليقينها أن هذه الإساءات لا تمثل الشعب اللبناني.

البيان وضع النقاط على الحروف متهما الأمين العام لحزب الله بمحاولة "تخريب علاقات لبنان العربية، وأنه حلقة في المسلسل الإيراني الطويل، لإثارة الفتن في مجتمعات المنطقة رافضا قبول الاستمرار بمسلسل التطاول على السعودية وقيادتها".. وأضاف: "لا حدود لانزعاج حزب الله من المملكة ودورها في الدفاع عن الحق العربي، والأشد وضوحاً أنه شديد الانزعاج من احتضان المملكة وقيادتها الحكيمة للعهد، ومبادراتها المتكررة للتقريب بين اللبنانيين". وختم البيان بالقول: إن مواقف نصر الله هي برسم العهد، وإساءة لخطاب القسم، ومسؤولية كل لبناني أن يرفع الصوت في مواجهة هذه الحملات الخرقاء". ثم عاد الحريري معلقا باسمه هذه المرة ومحذرا من أفعال السيد واصفا كلام نصر الله بأنه "نسف كل ما أنجز"، ومطالبا الحكومة بمعالجة هذه المسألة ورافضا الاستمرار في رهن لبنان لضرورات المواجهة الإقليمية. كما أن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع هو الآخر أسف لمواقف نصر الله معتبراً أنه "أعاد الأمور إلى نقطة الصفر".

صفوة القول: ليستعيد لبنان ثقة الآخرين عليه أن يكون بعيدا من الصراعات والانقسامات الإقليمية، والمأمول أن يفرض العهد الجديد شعار لبنان أولا معالجا ترتيب علاقاته مع دول الخليج وحاسما تدخل حزب الله في الأزمة السورية.