فضل بن سعد البوعينين

تعرضت العلاقات السعودية الأمريكية إلى أضرار مؤثرة خلال فترة رئاسة باراك أوباما؛ التي أسهمت بشكل مباشر في إشعال المنطقة؛ ودعم إيران والأخوان؛ وفق رؤية إستراتيجية قاصرة كادت أن تمكنهم من السيطرة على الدول العربية الكبرى وتهدد أمن واستقرار دول الخليج؛ وفي مقدمها السعودية.

ربما أعاد دخول الرئيس دونالد ترامب ترتيب بعض الملفات الأمريكية الخارجية؛ وتعديل السياسات التي أضرت بأمن واستقرار المنطقة. المراهنة على الرئاسة الأمريكية لا تخلو من المجازفة؛ فدولة المؤسسات تلتزم بمخططات إستراتيجية تحد من قدرة الرئيس على التغيير الجوهري؛ غير أن المصالح الاستراتيجية قد تساعد في إعادة صياغة بعض السياسات وفق رؤية شمولية محققة للمصالح المشتركة.

أحسب أن زيارة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للولايات المتحدة؛ ولقاءه بالرئيس دونالد ترامب؛ ستعيد ترتيب العلاقات السعودية - الأمريكية من خلال المصالح المشتركة؛ والمكاشفة الشفافة حيال كل ما يهم البلدين الصديقين. فالمملكة أهم الدول النفطية الداعمة لأمن الطاقة واستقرار الأسواق؛ والمنخرطة في مكافحة الإرهاب؛ والمساهمة بفاعلية في ضمان أمن واستقرار المنطقة؛ ما يجعلها شريكًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة الأمريكية.

طرح الأمير محمد بن سلمان وجهة النظر السعودية بشفافية مطلقة ونقل الصورة الواجب تقديمها للرئيس ترامب حول واقع المنطقة؛ ووجهة نظر المملكة حيال عديد من قضاياها الشائكة المهددة لأمنها وأمن المنطقة والعالم؛ ومذكرًا بالمصالح المشتركة؛ والعلاقات التاريخية؛ دون أن يغفل ما أعتراها من فتور ومنعطفات يجب التوقف عندها ومعالجتها للعودة بها إلى سابق عهدها. وفي لقائه بوزير الدفاع الأمريكي «جيمس ماتيس» شدد الأمير محمد بن سلمان على الخطر الإيراني؛ ودوره الداعم للإرهاب وتهديده الأمن والسلم الدوليين مؤكدًا أن «السعودية في الخط الأمامي لمجابهة هذه التحديات»؛ وهي في حاجة للعمل مع حلفائها وفي مقدمهم الولايات المتحدة «قائدة العالم».

تغطية القنوات الإخبارية والصحف الأمريكية الإيجابية لزيارة الأمير محمد بن سلمان؛ كانت لافتة ولا شك؛ ولعلها ساعدت في خلق أجواء داعمة للمباحثات وإيصال وجهات النظر السعودية التي اعتمدت على الواقع المعيش؛ والمخاطر المهددة لأمن الولايات المتحدة والعالم؛ واقتصادياتها؛ وأهمية العمل المشترك لتحقيق السلم العالمي. تبنى العلاقات الجيدة على المصالح؛ لذا برزت الملفات الاقتصادية في المحادثات المشتركة؛ وربما كان بعضها استكمالاً لمناقشات سابقة خاصة ما تعلق منها بتوطين الصناعات العسكرية.

من شأن تعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية تحقيق الأهداف الربحية والتنموية؛ إضافة إلى الأهداف السياسية المحققة للأمن والاستقرار. ليس سرًا ما تقوم به اللوبيات الأمريكية من ضغط على مؤسساتها بالتوافق مع مصالحها وشراكاتها الاستثمارية؛ ما يستوجب العمل بذكاء للاستفادة منها مقابل العقود التجارية الضخمة. حجم الاستثمارات السعودية في السوق الأمريكية؛ والتجارة البينية؛ والمصالح الكبرى مع الشركات الأمريكية يجب أن يستثمر في إعادة ترتيب العلاقات؛ وتقويتها بشكل مستدام؛ وإصلاح ما تضرر منها لمواجهة المخاطر السياسية والأمنية في المنطقة؛ وإنهاء الملفات العالقة التي تسببت الإدارة السابقة في استمراريتها وتضخمها.

شبكة «أن بي سي نيوز» الأمريكية توقعت نجاح الأمير محمد بن سلمان خلال في الترويج للمملكة كوجهة استثمارية، وهو أمر مهم لتحقيق بعض أهداف رؤية المملكة ذات العلاقة بالاستثمارات الأجنبية. الرئيس «ترامب» أعلن عن «دعمه لتطوير برنامج جديد بين الولايات المتحدة والسعودية تقوم به مجموعات عمل مشتركة بين البلدين في مجالات الطاقة والصناعة والبنية التحتية والتكنولوجيا التي تبلغ قيمتها أكثر من 200 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة ضمن السنوات الأربع المقبلة».

إعادة ترتيب العلاقات السعودية الأمريكية على قاعدة من المصالح الاقتصادية والتجارية والاستثمارية أكثر موثوقية مع الإدارة الجديدة التي تتعامل مع الواقع السياسي وفق منظور اقتصادي؛ وميزان المصلحة المعين على تحقيق الأهداف الإستراتيجية الشاملة. من المفترض ألا يؤثر نجاح المملكة في ترميم علاقاتها مع الولايات المتحدة؛ برغم أهميته؛ على استراتيجيتها مع الشرق؛ وبخاصة الصين واليابان؛ فتحقيق التوازن في العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية هدف إستراتيجي يجب الالتزام بتحقيقه من أجل خفض المخاطر وتعزيز المكاسب والتحوط الأمثل للمتغيرات المستقبلية.