حمد العامر

شكل (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) منذ قيامه في (25 مايو 1981م) أكبر وأقوى كيان سياسي في تاريخ العرب، فهو يضم ست دول عربية، ويعيش على أرضه أكثر من (26 مليون) مواطن، بإجمالي ناتج محلي سيصل خلال هذا العام إلى (1.49 تريليون) دولار أمريكي.


لم يكن قيام المجلس ذاك الآن بالأمر اليسير، فقد كانت منطقة الخليج العربي - الغنية بالثروات النفطية الهائلة وذات الموقع الاستراتيجي المتحكم بخطوط الملاحة الدولية - تشهد ظروفًا سياسية بالغة الصعوبة، تمثلت في تداعيات الثورة الإيرانية التي اندلعت في (1979م)، والحرب العراقية الإيرانية التي اشتعلت في (سبتمبر 1980م)، فكانت الفكرة لانطلاقته للمغفور له صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، وعشت لحظة بلحظة الاجتماعات التحضيرية لبحث النظام الأساسي للمجلس في (الرياض والطائف وخميس مشيط)، وشهدت إدراك وزراء خارجية دول المجلس لحجم المسؤولية التاريخية والتحديات والمخاطر التي تواجه بلدانهم.
ورغم كل تلك الظروف، وما تلاها من أزمات سياسية خطيرة تمثلت في الغزو العراقي على الكويت عام (1990م)، والغزو الأمريكي على العراق (2003م)، وأحداث ما يسمى بـ (الربيع العربي) الذي انطلقت شرارته في نهايات عام (2010م) وتبعاته التي لم تخمد نيرانها حتى الآن، استطاع المجلس خلال سنواته الـ (36) وبتماسك قادته أن يثبت قدرته على التكيف مع مختلف الظروف ويواجه التحديات ويحقق الكثير من الإنجازات ويضع سياساته واستراتيجياته ويحدث هيكله المؤسسي في سبيل توفير البيئة الملائمة تمهيدًا تحقيق المواطنة الخليجية الكاملة التي هي الطريق إلى قيام الاتحاد الخليجي.
فقد كان للتكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون تأثير هائل على تنامي دورها الإقليمي والدولي، فلتحقيق أكبر قدر من التقارب والاندماج الاقتصادي تقوم دول المجلس بتنسيق مواقفها على الساحة الاقتصادية الدولية، وتعمل على التفاوض الجماعي في شتى الميادين الاقتصادية مع الدول والمجموعات الكبرى، واتخذت كافة الإجراءات اللازمة لتوحيد سياستها الاقتصادية والتجارية من خلال القوانين الاقتصادية والتجارية المشتركة التي تهدف إلى حماية قدرة المجلس التنافسية في الأسواق العالمية.
وعلى مستوى التوجه نحو توسيع المشاركة الشعبية في الحكم، عملت كل دولة من دول المجلس على تحقيق ذلك بطريقتها الملائمة لظروفها، فقد أدرك قادة دول المجلس أهمية تطوير المجتمع الخليجي بما يحقق المشاركة في الحكم وتعزيز الديمقراطية ومحاربة الفساد واحترام مبادئ حقوق الإنسان والوصول إلى أعلى درجات التنمية والتطوير في مختلف الميادين وتأكيد دور المؤسسات التشريعية والقضائية للقيام بدورها في بناء مجتمع العدالة والمساواة.
وعلى المستوى الأمني والدفاعي، عملت دول مجلس التعاون على تعزيز تحالفاتها مع الدول الصديقة ذات المصالح الاستراتيجية في المنطقة، وأدركت ضرورة إنشاء قوة دفاع خليجية موحدة، فقامت بتشكيل قوة درع الجزيرة في (نوفمبر 1982م) التي كان لها دور مهم في تحرير دولة الكويت عام (1991م)، وحماية المنشآت الحيوية في مملكة البحرين خلال الأحداث المؤسفة التي شهدتها في (فبراير 2011م)، كما تم إقرار الاتفاقية الأمنية في (ديسمبر 1994م)، واتفاقية الدفاع المشترك في (ديسمبر 2000م)، والتي تعتبر جميعها أركانًا مهمة للعمل الخليجي المشترك في المجالات الأمنية والعسكرية من أجل الدفاع عن استقرار الأرض الخليجية وحفظ أمنها وحماية مصالحها المشتركة وتحقيق تطلعات وآمال شعوبها وصولاً إلى الاتحاد الذي نصت عليه المادة الرابعة من النظام الأساسي.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أدرك قادة دول المجلس الأهمية البالغة لتوحيد رؤيتها بعد تشخيص التهديدات والأخطار التي تحدق بها، ما تطلب منها إعادة هيكلة سياستها الخارجية مع الدول الكبرى، باعتبارها آلية مهمة لتعزيز مكانتها الدولية والإقليمية وحفظ دورها المستقبلي الذي يجب أن يكون على مستوى التحديات القائمة في الإقليم المحيط بها والمؤثرة في مجريات السياسات الدولية، فعملت السياسة الخارجية الخليجية المشتركة على:
أولاً: حماية استقلال وسيادة دول مجلس التعاون وقيمه المشتركة ومصالحه الأساسية.
ثانيًا: تعزيز النواحي الدفاعية والأمنية من خلال التنفيذ الفعلي للاتفاقية الأمنية واتفاقية الدفاع المشترك.
ثالثًا: الحفاظ على السلام وتعزيز الأمن الدولي والإقليمي وفقا لمبادئ الأمم المتحدة.
رابعًا: تعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية والتعايش المجتمعي.
ورغم كل ما مر بمنطقة الخليج العربي من أحداث جسام ومخاطر وحروب مدمرة في دول الجوار وتهديدات وصلت إلى حد انتهاك كيان واستقلال دولها من خلال التهديد المباشر أو من خلال الضغوط السياسية التي اتخذت - منذ موجة الربيع العربي - من قضايا حقوق الإنسان وسيلة لخلق حالة من الفوضى لتغيير أنظمة الحكم القائمة وإقامة أنظمة جديدة باستغلال شعارات الحرية وحماية مبادئ حقوق الإنسان، فقد أثبت (مجلس التعاون لدول الخليج العربية) قوته ونجاحه وقدرته على الاستمرار والصمود، وبذل جهودًا جبارة للحفاظ على سيادته واستقلاله وذلك باتباعه سياسة ملتزمة تقوم على ركائز راسخة ومبادئ ثابتة وعلاقات صداقة واسعة مع دول العالم كافة، قائمة على الاحترام المتبادل والانفتاح وبناء جسور الثقة والتعاون والمصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ويظل تطوير مجلس التعاون لكيانه كاتحاد سياسي دعمًا قويًا لجميع الانجازات التي حققها، لذلك يعتبر الدور الهام الذي مارسه المجلس على الساحة الإقليمية والدولية هو أحد الثمار الرئيسية لنجاحه غير المسبوق، فقدرة المجلس على التكيف مع المتغيرات السياسية المحيطة به، ووقوفه بقوة أمام تهديدات الدول (الصديقة) التي استغلت قضايا حقوق الإنسان لتحقيق أهدافها السياسية الخبيثة، ومواجهته الحازمة للذراع الإيرانية العسكرية والطائفية الطويلة المدعومة من القوى الكبرى يؤكد دون شك بأن مجلس التعاون قد أصبح قوة رادعة فرضت نفسها في المنطقة وتقف بثبات في مواجهة أطماع وتهديدات بعض قوى الجوار الإقليمي الساعية لتنفيذ خططها ومشاريعها للتوسع والهيمنة وبسط النفوذ.