فهمي هويدي

إذا كنت من المتدينين المواظبين على الصلاة، فنحن أحوج ما نكون إلى دعائك في الوقت الراهن لأن مستقبل البلد في خطر. قد لا أستغرب أن يردد كثيرون هذه الدعوة في بلادنا التي حالها كما تعلم، لكننا لابد أن نستغرب أن يطلقها صحفي محترم، أصبح أحد أشهر نجوم التليفزيون الأمريكي وأكثرهم صدقية. ثم إن الأمر لا يخلو من مفارقة، لأننا اعتدنا أن نلجأ إلى أمريكا لكي تشملنا بالرعاية والرضا وتحل مشاكلنا، ولم يخطر على بالنا أن تدور دورة الزمن بحيث ترتفع الأصوات هناك داعية للجوء إلى الله لكي يحل مشكلة الأمريكيين ويجبر بخاطرهم.

صحيح أن صاحب العبارة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي هو الإعلامي المخضرم دان راثر، إلا أنني قرأت الدعوة التي أطلقها في كتابات أخرى لمثقفين أمريكيين قال بعضهم إنه بعدما ابتليت الولايات المتحدة بإعصار ترامب الذي يهدد بتدمير الكثير من القيم التي تعتز بها الولايات المتحدة، فقد حان الوقت لكي يقضى الأمريكيون وقتا أطول لتكثيف الدعاء إلى الله كي يرفع الغمة عن بلادهم.

في نظر النخبة الأمريكية فترامب «كارثة». لكنه يعد فرصة يراهن عليها كثيرون في دوائر القرار بالعالم العربي. وذلك وجه آخر للمفارقة. وأحسب أن الشق الأول من هذا المنطوق لم يعد بحاجة إلى إثبات، إذ تتكفل به أغلب التقارير اليومية القادمة من واشنطن التي لم تعد ترى في الرجل فضيلة تستحق الذكر، حتى تكاد تجمع على أنه لن يكمل سنواته الأربع، خصوصا إذا وصلت التحقيقات الجارية بخصوص علاقته بالروس إلى نتيجة ليست في صالحه، بل لم يستبعد صحفي مخضرم ومحترم هو توماس ريكس (له خبرته في الواشنطن بوست) أن يؤدي استمراره في السلطة إلى تعميق الانقسام الأمريكي بما يفضي إلى وقوع حرب أهلية في الولايات المتحدة.

إذا كان الأمريكيون سيدبرون أمرهم لأن المجتمع بمؤسساته أقوى من السلطة، إلا أن ما يقلقنا أن يكون لذلك الرئيس الأمريكي دوره في تدبير أمورنا نحن في العالم العربي. ولست واثقا من دقة التسريبات التي تحدثت عن أن استئناف ضخ النفط السعودي لمصر أخيرا كان من ثمار اجتماع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في المملكة مع الرئيس ترامب. (أشارت التسريبات إلى أن إسرائيل القريبة من قلبه وعقله كان لها دورها في ذلك). مع ذلك فإن شعورنا بالقلق لابد أن يتضاعف حين نطالع الأخبار والتسريبات الأخرى التي تتحدث عن حلف «سُنِّى» تشارك فيه إسرائيل وترعاه الولايات المتحدة لمواجهة إيران. وتلك التي تتحدث عن مشروع أمريكي للتوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية لا نتوقع له إلا أن يكون «نكبة» أخرى. كما أننا لم نفهم ــ ولا نتوقع خيرا بطبيعة الحال ــ مما تردد عن علاقة جديدة لمصر مع حلف الأطلنطي وإقامة بعثة دبلوماسية مصرية لدى الحلف في بروكسل. على الأقل فذلك ما نما إلى علمنا وفاجأنا، والله وحده أعلم بما يجرى بعيدا عن أعيننا في الاتصالات والاجتماعات السرية.

إنهم في الولايات المتحدة يتطلعون إلى إزالة الكابوس وكيفية احتواء الكارثة التي حلت بهم. في حين أن الرجل القادم من خارج السياسة والمرحب به في العالم العربي، يقوم بدور رئيسي في رسم خرائطه وترتيب أوضاعه.

وذلك تحليل إذا صح فهو علامة على بؤس العالم العربي والمدى الذي وصل إليه هوانه. وفى أجواء الغيبوبة التي نعيشها، فإن أخشى ما أخشاه أن ينصرف البعض عن التفكير في مصير المنطقة الذي يتشكل الآن في واشنطن، لينشغلوا بالجدل حول ما إذا كانت صلاة الأمريكيين في هذه الحالة ستقبل أم لا؟!