محمد خلفان الصوافي

تتنوع أشكال الدبلوماسية باعتبارها إحدى أدوات تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول في العالم. وقد ترسَّخ، تقليدياً، مفهوم العمل الدبلوماسي في أذهان الناس، باعتباره مقتصراً على البعثات الخارجية للدول، لكن مما يغيب عن الكثيرين أن الدبلوماسية اليوم تنوعت وتعددت أشكالها، فأصبحت هناك دبلوماسية شعبية، يقوم بها أناس لهم حضورهم في المجتمع، ودبلوماسية برلمانية يمارسها ممثلو الشعوب.

«دبلوماسية القمة» هي أشهر أنواع الدبلوماسيات بين الناس من خارج الإطار التقليدي لها، ربما لأنها تمارس بصفة مستمرة. وبشكل أكثر دقة، فإن الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب الأعلى للقوات المسلحة، إلى جمهورية الهند، مؤخراً، والتي سجلت حضوراً دبلوماسياً إماراتياً لافتاً، هي خير مثال لدبلوماسية القمة، كما أن الجولة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى عدد من دول آسيا أيضاً تندرج ضمن هذا النوع من الدبلوماسية.

أما الدبلوماسية البرلمانية، التي تمارسها المؤسسات التشريعية، فهي نتاج لتطور علم العلاقات الدولية، باعتبار أن كل المؤسسات السياسية التابعة للدولة، عليها أن تتجاوز دورها التقليدي لتكون إحدى أدوات السياسة الخارجية، بل في الوقت الحالي يمكن اعتبار دور البرلمانات أقوى أدوات التأثير في «صناعة الرأي العام» تجاه قضايا وطنية معينة، كونها تسهم، بطريقة ما، في تعزيز مواقف دولها تجاه القضايا التي تهمها، ربما كونها متواصلة مع الشعوب.

ومعروف أن المفاهيم السياسية، خاصة تلك التي لها صلة بالعلاقات الدولية، تتطور وفقاً لطبيعة العمل السياسي وطبقاً للحاجة، وبالتالي تتغير معها طبيعة المهمة التي على أساسها وضعت، فالعمل البرلماني اليوم لم يعد مقتصراً على الجانب الداخلي فقط، رغم أنه هو المجال الأساسي والأهم بالنسبة للبرلمانات، لكن المفاهيم وأدوات التأثير تغيرت، وكذلك مصالح الشعوب لم تعد مقتصرة على الداخل فقط، وهو ما لا يعرفه كثيرون، ربما لأن هذا النوع من الدبلوماسية لا يزال حضوره غير واضح، مقارنةً بدبلوماسية القمة.

هذه النظرة لا تعني تغيراً في العرف الأساسي لدور كل مؤسسة، لكن هناك مراحل سياسية تتغير فيها الأوضاع وتجد معها مؤسسة معينة الحاجة إلى الاستفادة من مؤسسة أخرى ضمن إطار التكامل، لذا تجد البرلمانات تعمل في تحركاتها الخارجية بالتنسيق مع وزارة الخارجية باعتبارها المظلة الأوسع. وكما هو متعارف عليه فإن الدبلوماسية البرلمانية توفر الجهد والوقت للوصول إلى الرأي العام. وفي هذا الوقت من الزمن هناك حاجة إلى التأثير على الشعوب مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، خدمة للقضايا الوطنية.

ينتبه المراقب الموضوعي في مجال الدبلوماسية البرلمانية إلى حالة من النشاط الدبلوماسي للمجلس الوطني الاتحادي خلال الفترة الأخيرة، وربما هذا الشهر تحديداً، على ضوء الجولة الأوروبية التي شملت ثلاثاً من الدول الأوربية، هي إيرلندا والمملكة المتحدة وألمانيا، والتي تنوعت ما بين الالتقاء بالمسؤولين من الصف الأول فيها والبرلمانيين، وشرح وجهة نظر دولة الإمارات تجاه العديد من القضايا الدولية، بل وتوضيح مواقف الدولة لدى بعض السياسيين.

وبالأمس أيضاً، انتهى نشاط دبلوماسي برلماني كان المجلس الوطني حاضراً فيه بقوة على مستوى البرلمانات العربية في الرباط. فمثل هذه الأنشطة والمنابر تمثل ثقلاً سياسياً دولياً يمكن استغلاله لصالح القضايا الوطنية، باعتبار أن الدبلوماسية لديها أساليب متميزة في تحقيق أهداف الدولة. وجهد أعضاء المجلس الوطني ظاهر بوضوح وكذلك محاولاتهم الجادة، ليس فقط في تفسير مواقف دولة الإمارات تجاه قضايا معينة، ولكن أيضاً في «صناعة مواقف سياسية» تجاه القضايا الوطنية مثل الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبوموسى).

عملياً، نحن نعيش مرحلة الدبلوماسية البرلمانية، على اعتبار أن المواطن العادي في كل دول العالم لم يعد مغيباً عما يحدث في هذا الكون، نتيجة لانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا المواطن اليوم لديه القدرة على التأثير في اتجاه صناعة القرار السياسي لبلاده، خاصة في الغرب حيث تصنع السياسات حول قضايا منطقتنا، وبالتالي يكون من المنطقي التركيز على الرأي العام والاستفادة من آراء ومواقف صانعي القرار هناك.

هذا الكلام يحمل شيئاً من المنطق لمن يحاول إثارة نقاش علمي حول تأثير الدبلوماسيات في العالم وفي تصحيح بعض المفاهيم التقليدية. فلجان الصداقة في برلمانات العالم هدفها التأثير على المواقف السياسية للدول.

وبكل وضوح وأمانة، من الصعب تجاهل النشاط الدبلوماسي للمجلس الوطني الاتحادي المتصاعد، سواء على المستوى الثنائي، أو على مستوى اجتماعات البرلمانات الإقليمية والدولية، وكل ذلك يصب في مصلحة الإمارات والإنسان الإماراتي.