زاهي حواس 

 هو بلا شك معجزة معمارية بكل مقاييس العلم الحديث؛ ذلك هو الهرم الأكبر - هرم الملك خوفو ابن الملك سنفرو. ولد صاحب الهرم في قصر أبيه أول ملوك الأسرة الرابعة المصرية الأصيلة؛ وتربى خوفو واسمه بالكامل خنوم خو آف وي بمعنى خنوم يحميني؛ ويبدو أن مرضعته كانت من قرية بالمنيا أطلق عليها اسم «منعت خوفو» بمعنى (مرضعة خوفو). كان سنفرو قد حقق إنجازاً معمارياً عظيماً قبل أن يغادر الحياة ببناء أربعة أهرامات في محاولة منه للوصول إلى بناء هرم حقيقي مستوي الزوايا وليس مجرد هرم مدرج مثل أسلافه. ونتيجة للنشاط المعماري العظيم للملك سنفرو أطلق عليه المؤرخون اسم (سيد البناءين).


بمجرد أن تولى خوفو الحكم بعد وفاة أبيه بدأ في تحقيق حلمه ببناء أعظم مقبرة ملكية على شكل هرم. تولى المشروع المهندس المعماري المصري الفذ حم إيونو - ابن عم الملك خوفو. ومعاً بدآ أعظم ملحمة في التاريخ المصري القديم... بناء الهرم الأكبر بارتفاع 146 متراً وسمي ناطحة سحاب العالم القديم ومعجزته الوحيدة الباقية والخالدة على ظهر الأرض.
أثار الهرم خيال الناس على مدى العصور؛ قال عنه الرحالة العرب الأوائل: «يخشى الإنسان الزمن ويخشى الزمن الأهرامات» وكانوا يقصدون أهرامات الجيزة، وفي مقدمتهم هرم الملك خوفو. أيضاً استكثر كثير من الناس على مدى الأزمان ولدوافع متعددة ومختلفة المكانة التاريخية والحضارية المتميزة لمصر صاحبة المجد الحضاري العظيم، فاحتالوا للنيل منها وتهميش دورها، مرة بادعاء اليهود أنهم أصحاب الأهرامات! ومرة بالقول إن من بنى الأهرامات ونحتوا أبو الهول هم علماء القارة المفقودة «أطلانتس»! ثم ظهر من يدعي بأن سكاناً من الفضاء يسمون أنفسهم «النجميون» هم من بنوا الأهرامات وعلموا المصريين الحضارة! ومؤخراً سمعنا من يعقد المقارنات التي لا علاقة لها بالعلم والتاريخ بين أهرامات صغيرة بنيت من طمي بعد 1500 سنة من بناء الأهرامات المصرية ليقول بأن أهراماتهم هي الأقدم، وهي الأصل وأنهم هم أنفسهم أصحاب الفضل في حضارة الفراعنة! مجرد تخاريف وأوهام تفضح الحقد والغل، وستذهب مع تخاريف سبقتها وستبقى الأهرامات المصرية شامخة... آية منيرة من آيات الخالق العظيم الذي دعا الناس للسير في الأرض والتفكر في آياته. طعنة الجنوب هذه تشبه تماماً طعنة بروتس ليوليوس قيصر، التي جاءت من خلف ظهره.
لقد حذرت كثيراً من العبث بالتاريخ والحضارة وإقحامهما في السياسة؛ وحذرت من أبواق زرع الفرقة بين الدول والشعوب لتحقيق غايات أعداء يتربصون بنا من خلف الستار. خوفو ملك مصري ومهندس الهرم مصري وبناة الهرم مصريون ومقابرهم موجودة بجوار الهرم خلف السور المعروف باسم سور الغراب.
تحققت المعجزة لمصر ببناء الهرم بالعلم والإرادة، وكان الدافع الأعظم هو الإيمان بما يصنعون، وهذا درس التاريخ لنا فهل نعيه؛ وهل حقاً نعي أن قوة مصر نعمة لكل الشرق وضعفها نقمة على كل الشرق؟. . . .