السعودية الثانية على الصعيد العربي والشرق الأوسطي في التنمية البشرية

 

 ماجد الجميل من جنيف

صعدت السعودية من المركز الـ50 إلى 38 في تصنيف الأمم المتحدة للتنمية البشرية الذي ضم 188 دولة، لتحتل بذلك المركز الثاني على صعيد الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، بعد قطر (33) وقبل الإمارات (42).

جاء ذلك في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول التنمية البشرية لعام 2016 "التنمية البشرية للجميع" الذي صدر أمس، وهو الأحدث في سلسلة تقارير التنمية البشرية العالمية التي يُصدِرها البرنامج سنويا منذ عام 1990.

وأولى التقرير أهمية خاصة بكفاءة الدول في تحويل مؤسساتها بهدف إرساء قواعد الاستثمار، والتجارة العادلة، وتوسيع الحريات للجميع بحيث يتمكن كل إنسان من اتخاذ ما ينشده من خيارات. 
وفي جوهر هذه الحريات اثنتان: حرية الرفاه التي تتحقق بالوظائف وتطوير الإمكانات، وحرية التصرف التي تتحقق بإعلاء الكرامة والاستقلالية، علاوة على الحقوق الأساسية في الصحة والتعليم والعمل. وفي ترتيب البرنامج لبلدان العالم على مستوى التنمية البشرية، جاءت النرويج أولا، تليها أستراليا، وسويسرا. وتقاسمت السعودية وشيلي المركز الـ38.

وصنف التقرير درجة تقدم البلدان في تحقيق التنمية البشرية في عديد من الفهارس، مثل مؤشر التنمية الشاملة، الذي يتعلق بالصحة، والتعليم، والعمل، وتشغيل العمالة. وعلى هذا الأساس، قسَّم التقرير إنجازات الدول في تحقيق التنمية البشرية إلى ثلاثة أقسام "تنمية بشرية مرتفعة جدا" التي ضمت الدول من 1 إلى 51 (داخل) وجاءت ضمنها قطر والسعودية والإمارات والكويت، وكل الدول المتقدمة علاوة على اليابان. و"تنمية بشرية مرتفعة" التي ضمت الدول من 52 إلى 105 (داخل) وجاءت ضمنها عمان وماليزيا، وتركيا، والمكسيك والبرازيل، والصين. و""تنمية بشرية متوسطة" التي ضمت الدول من 106 إلى 147 (داخل). و"تنمية بشرية منخفضة" التي ضمت الدول من 148 إلى 188.

وحذّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن الملايين من الناس لا تستفيد حاليا من التقدم، وأن الفجوة القائمة ستزداد اتساعا ما لم تتم معالجة عوائق التنمية عميقة الجذور، بما في ذلك التمييز، وعدم المساواة في فرص الحياة، والوظائف، والرفاه.

وجاءت البحرين في المركز الـ47 عالميا، والرابع على صعيد الدول العربية والشرق الأوسط، ثم الكويت في المركز الـ51، وعُمان (52)، وتركيا (71)، ولبنان (76)، والجزائر (83)، والأردن (86)، وتونس (97) وليبيا (102)، ومصر (111)، وفلسطين (114)، والعراق (121)، والمغرب (123)، وسورية (149)، وموريتانيا (157)، والسودان (185)، واليمن (168)، وإرتيريا (179).

وتضمن التقرير توصيات لإعادة توجيه السياسات لضمان التقدم كيّ يصل إلى الهدف الأبعد، وحث على إصلاح الأسواق العالمية، والمؤسسات المالية العالمية "لجعلها أكثر عدلاً وتمثيلا".
ويذكر التقرير حقوق الملكية الفكرية، ولا سيما في الفصل الـ5 حول "تحويل المؤسسات العالمية". وقال على وجه الخصوص، إن جدول الأعمال الدولي "ينبغي أن يصيغ القواعد الأساسية ولتوسيع التجارة في السلع والخدمات والمعارف لصالح التنمية البشرية وأهداف التنمية المستدامة".

وقال إن "الإصلاحات الرئيسة للنهوض بجدول الأعمال هذا، ينبغي أن تتركز على استكمال جولة الدوحة لمنظمة التجارة العالمية، وإصلاح نظام حقوق الملكية الفكرية العالمية، وإصلاح نظام حماية المستثمر العالمي".

وقال، سليم جاهان، مدير مكتب تقرير التنمية البشرية، متحدثا للصحافيين في جنيف عن طريق دائرة تلفزيونية مغلقة، إنه تم إحراز تقدم مثير للإعجاب على مدى الأعوام الـ35 الماضية على عديد من الجبهات للتنمية البشرية، "لكن لا تزال هناك فوارق كبيرة" في الإنجازات.

ووفقا للتقرير، هناك اختلالات في إدارة المؤسسات متعددة الأطراف، فقواعد التجارة الدولية القائمة على أسس الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة (جات) وخليفتها منظمة التجارة العالمية "تؤثر على المصالح الوطنية لتحديد السياسات العامة في البلدان النامية، وتحُدّ من استخدامها السياسات التجارية الخاصة بها لدعم التنمية القطاعية أو الصناعية".

وأقرّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن جولة الدوحة الإنمائية قدمت بعض المجالات لـ"إعادة موازنة القواعد" نحو منظور إنمائي، وأن جولة الدوحة، التي بدأت في عام 2001، جاءت لتحقيق هذا الغرض، لكن المفاوضات توقفت منذ سنوات.

وقال إنه "مع توقف جولة الدوحة، هيمنت الاتفاقات التجارية الثنائية والإقليمية على قواعد التجارة الدولية، حيث أصبحت حماية الاستثمارات وحقوق الملكية الفكرية المسألة المركزية". 
وأضاف "أن البلدان الصناعية، التي هي المصدر الرئيس للاستثمار الأجنبي وبراءات الاختراع، تستخدم الاتفاقات التجارية الثنائية والإقليمية لمصالحها".

وفي معرض انتقاده لحقوق الملكية الفكرية، قال التقرير إن "مدفوعات العوائد، ومدفوعات إجازات التراخيص من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة (خاصة في الولايات المتحدة)، قد نمت بشكل هائل منذ عام 1990".

ويلاحظ التقرير أن التجارة الدولية كانت محركا قويا للتنمية لعديد من البلدان، خاصة في آسيا "لكن قواعد التجارة التي تسعى إلى توسيع نطاق حقوق الملكية الفكرية ومعاهدات حماية الاستثمار تميل لمصلحة البلدان المتقدمة".

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي "إن واحدة من أهم السلع العالمية للدول النامية أن تكون منظمة التجارة العالمية عادلة وتعمل بشكل جيد". ويخلص التقرير إلى القول: "هناك أمل" فقط إذا اكتسبت البلدان النامية قوة تفاوضية، وفقط إذا أصبحت "الاتفاقات متعددة الأطراف، على الرغم من محدوديتها، أداةً لتجارة عالمية أكثر عدلا".

ويدعو التقرير إلى إجراء تقييم حول "مدى فائدة" النظام الحالي لحقوق الملكية الفكرية كأداة للوفاء بأهداف التنمية المستدامة. واعتبر هذا التقييم بمثابة "أساس للإصلاح" خاصة ما يتعلق بالهدف الثالث من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ضمان حياة صحية، وتعزيز الرفاه للجميع في كل الإعمار)، والهدف السابع (تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة).

وحول آلية منظمة التجارة العالمية لتيسير تقنية المعلومات والاتصالات، قال التقرير إنه في كل سنة يتم تحديد التقنيات الحاسمة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، فضلا عن الحواجز لاعتمادها. وفي هذا السياق، يقول التقرير، "إذا أصبحت حقوق الملكية الفكرية التي تُنفَّذ من خلال آليات منظمة التجارة العالمية عقبة لنشر التقنيات المطلوبة في الوقت المناسب، هنا ينبغي على المجتمع الدولي أن يلقي نظرة فاحصة نحو إعادة تشكيل الطريقة التي يتم بها حماية هذه الحقوق".

وقال البرنامج إنَّ ربع قرنٍ من التقدم المثير للإعجاب في مجال التنمية البشرية لا يزال يترك كثيرا من الناس في الخلف عاجزين عن اللحاق بالركب بسبب حواجز أصبحت نظامية بسبب تركزها في العادات والتقاليد. وشدد على أهمية تركيز الدول على المُستَبعَدين، وعلى اتخاذ إجراءات لإزالة هذه الحواجز واعتبار ذلك حاجة ملحة لضمان التنمية البشرية المستدامة للجميع.

ويخلص التقرير إلى أنه على الرغم من أن متوسط التنمية البشرية قد تحسن بشكل جوهري في جميع المناطق من عام 1990 إلى 2015، إلَّا أن واحداً من كل ثلاثة أشخاص في العالم يواصلون العيش في مستويات منخفضة من التنمية البشرية.

وقال إن "العالم قطع شوطا في دحر الفقر المدقع، وفي تحسين فرص الحصول على التعليم والصحة والمرافق الصحية، وفي توسيع نطاق الفرص المتاحة للنساء والفتيات، لكن هذه المكاسب ليست سوى مقدمة للتحدي المقبل الذي ربما يكون أكثر صرامة، لضمان وصول منافع التقدم العالمي إلى الجميع.

وقال التقرير "إننا نضع كثيرا من الاهتمام على المعدلات الوطنية، التي غالباً ما تخفي تباينات هائلة في حياة الناس، لكن إذا ما أردنا المضي قدما، نحن بحاجة إلى دراسة أوثق ليس فقط ما تم تحقيقه، ولكن ينبغي أيضا أن نعرف مَن هم الذين تم استبعادهم من التنمية والسبب".

ويبين التقرير أن عدة مجموعات في كل بلد تقريبا، تواجه مساوئ وسلبيات كثيرا ما تتداخل مع بعضها بعضا، ويعزز كل منهما الآخر، ليزيد بذلك ضعف المجتمع وهشاشته، واتساع فجوة التقدم عبر الأجيال، ما يجعل من الصعب اللحاق بالعالم المتحرك بسرعة. 

وأعطى التقرير أمثلة عن النساء والفتيات، وسكان المناطق الريفية، وسكان البلاد الأصليين، والأقليات العرقية، والأشخاص المعوقين، والمهاجرين، واللاجئين، من بين المستبعدين بشكل منهجي بالحواجز التي هي ليست محض اقتصادية، بل اجتماعية وثقافية بين أسباب أخرى.

في حالة المرأة، وهي أكبر هذه المجموعات، يلاحظ التقرير أنه في حين أن الفوارق بين الجنسين تضيق ببطء عموما، إلا أن الأنماط المترسخة في المجتمع منذ أمد بعيد، كالاستبعاد، وعدم تمكين النساء والفتيات من التعليم أو العمل تظل من بين التحديات الملحة. تقول نتائج التقرير أن المرأة تميل أن تكون أكثر فقراً، وتكسب أقل، ولديها فرص أقل في معظم جوانب الحياة من الرجال، وأنه في 100 بلد، تُستبعد المرأة من بعض الوظائف قانوناً بسبب جنسهن. والناس الذين يعيشون في المناطق الريفية يواجهون أيضا حواجز متعددة. على سبيل المثال، أن أطفال الأسر الريفية الفقيرة الملتحقين بالمدارس أقل احتمالا لتعلم القراءة والكتابة والرياضيات.

ويحذر التقرير، من أن المقاييس الرئيسية للتنمية يمكن أن تُبالغ في تقدير التقدم عندما تركّز على الكمية بدلا من النوعية في التنمية. على سبيل المثال، زاد التحاق البنات بالتعليم الابتدائي، لكن في نصف البلدان النامية الـ 53 مِمَن قدمت بياناتها، نجد غالبية النساء الكبار اللاتي أكملن أربع إلى ست سنوات من التعليم الابتدائي لا يزلن أميات.

ومن أوجه التفاؤل في التقرير أنه يؤكد أن التنمية البشرية للجميع يمكن بلوغها، إذ يقول إنه على الرغم من تقدم الفجوات، فالتنمية البشرية يمكن تحقيقها، وأنه على مدى العقود الماضية، تحققت إنجازات في مجال التنمية البشرية كان يعتقد أنها مستحيلة.

ويضيف أنه منذ عام 1990، نجا تريليون شخص من الفقر المدقع، وأصبح تمكين المرأة قضية رئيسة: وبينما كان إلى وقتٍ حديث ليس أبعد من سنوات التسعينيات، عدد قليل جدا من البلدان يحمي النساء من العنف المنزلي قانوناً، هناك اليوم 127 بلدا يفعل ذلك بموجب القانون.

ووضع التقرير النرويج في المركز الأول في مؤشر التنمية الشاملة، تليها أستراليا، سويسرا، ألمانيا، الدانمارك، سنغافورة، هولندا، أيرلندا، أيسلندا، كندا، والولايات المتحدة في المركز العاشر.
في الجزء السفلي من القائمة، جمهورية إفريقيا الوسطى تأتي في ذيل القائمة، مسبوقة بالنيجر، وتشاد، وبوركينا فاسو، وبوروندي، وغينيا، وجنوب السودان، وموزامبيق، وسيراليون، وإريتريا، وغينيا- بيساو.