فهد عريشي

الصين مستمرة في فرض نفسها على الساحة الدولية، وخاصة في ظل رؤيتها الحزام والطريق التي أطلقتها كأخطبوط يمد أذرعته على خارطة العالم

نشرت بعض الصحف السعودية والدولية تساؤلا حول هل ستسلم أميركا قيادة العالم للصين؟ ما أثار هذا السؤال في هذا التوقيت هو شكوك المجتمع الدولي في أن تستمر القوة الأميركية بعد تقلد ترمب دفة القيادة في البيت الأبيض, ولأن البعض يشك في قدرة ترمب على أن يعيد القوة الأميركية إلى الساحة الدولية بعد 8 سنوات من الضعف، بحسب رأيهم، كانت في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
هذا التساؤل أعتقد أنه متأخر جدا، لأنه بالفعل الصين تسلمت قيادة العالم اقتصاديا، وهو الأساس في أي قوة عالمية, الاقتصاد أولا ومن ثم يأتي كل شيء بعده. الولايات المتحدة الأميركية تراجعت في العقد الأخير اقتصاديا, وتسير دون إستراتيجية واضحة, في مقابل نمو الاقتصاد الصيني وتفوقه، وكل المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن الصين مستمرة في فرض نفسها على الساحة الدولية، وخاصة في ظل رؤيتها الحزام والطريق التي أطلقتها كأخطبوط يمد أذرعته على خارطة العالم ويسيطر عليه بإحكام.
وجود الصين على قمة مستوردي النفط في العالم ليس لأن مصانعها لا تنام, وحاجتها للطاقة لا تتوقف, بل لأنها أيضا نجحت في نقل المصانع الأميركية إلى أراضيها في هجرة شبه جماعية لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية إيقافها، رغم كل الحواجز التي وضعتها أمام شركاتها, ولكن المغريات في الأراضي الصينية كانت كالزانة التي تقفز بها أشهر العلامات التجارية الأميركية إلى الأراضي الصينية، متجاوزة كل الحواجز مهما ارتفع سقفها, والقفزة الأشهر كانت من قبل شركة أبل فخر العلامات التجارية الأميركية التي وطنت مصنعها في الصين، طمعا في تقليل تكلفة الإنتاج, واستغلال نمو السوق الصيني الكبير. وتصنيع شركة أبل لهواتفها في الصين مجرد مثال بسيط لتراجع مؤشر النمو الاقتصادي في أميركا وارتفاعه في الصين, وما يجعلنا أيضا نتجاوز تساؤل هل أميركا سلمت قيادة العالم للصين هو تراجع القوة الأميركية من منطقة الشرق الأوسط المليئة بالمشاكل السياسية المعقدة، تاركة فراغا كبيرا استغلته الصين بهدوء, ودون صخب بالتدخل السلمي، متبعة سياسة محايدة بقدر الإمكان, ونشر ثقافة التفاوض المتزن للوصول إلى مخرج من هذه المغارة المظلمة, وهو ما عزز ثقة الدول والمجتمع العالمي بحكمة السياسة الصينية التي تعمل بصمت، مؤمنة بنجاحها في زرع أرضية خصبة للاستثمار في بناء البنية التحتية في العراق وسورية واليمن وليبيا التي دمرتها الحروب الدائرة على أراضيها.
واستغلت الصين هذا الفراغ أيضا لتوقيع اتفاقيات تمهد لرؤيتها الطريق والحرير, وقعتها مع المملكة العربية السعودية, وجمهورية مصر العربية, وتسعى أيضا لتهدئة الأمور في بقية الدول العربية مثل العراق وسورية، لإكمال الطريق والحرير الذي نجحت في أن توصله من مدينتها أيوو حتى لندن، عابرة الكثير من الدول الأوروبية المستقرة اقتصاديا وسياسيا, وكان طريقها عبر الشرق الأوسط سيكون كذلك لولا العوائق التي تلتزم بمحاولات عديدة لحل مشاكله, والعودة به إلى منطقة الأمان.