علي سعد الموسى

كتب عن إرهابي لندن، خالد مسعود، في اليومين الماضيين من أوراق تحليل الظاهرة ما لو جمع لناء بالعصبة. وفي المجمل كان صلب ما استطعت قراءته وخصوصاً من الإلكترون الإعلامي البريطاني يدور حول تقابلية وثنائية الاندماج والهوية. أسئلة مثل: هل جذر الهوية وغريزتها هو من يرفض الاندماج؟ هل الاندماج أساس ومطلب كي تخبو جذوة الهوية الأصل وتضمحل فيها الجذور؟ سؤال، بل أسئلة فلسفية شائكة تدور منذ أكثر من قرن، وكل تفريعة من هذه الأسئلة ستقود إلى إجابة تبدو مقنعة على السطح لكنها لا تستطيع شرح مشكلة الباطن والعمق.


يمثل خالد مسعود، من وجهة نظري، معضلة الجيل الرابع والخامس من أبناء المهاجرين إلى القارة العجوز من مستعمراتها السابقة. ولد مسعود في مدينة كنت الإنجليزية، ومن المفارقة اللافتة أنه اليوم عامان بعد الخمسين من العمر، وهي سن متأخرة من حياة الأفراد مع التحول وإعادة برمجة الأفكار نحو قطبي التطرف. يصعب أن تكون إرهابياً أو ليبرالياً في مثل هذا الوقت المتقدم من العمر. قصته هي قصة جيله كحفيد مهاجر قديم. هذه الأجيال اللاحقة من شجرة الهجرة الأولى باتت تدرك صعوبة المنافسة على كل تفاصيل الحياة اليومية ضد العقل الحاضن المتطور، وأنا لا أتردد أبداً إن قلت إن الفوارق ما بين العقلين من قطبي هذه المنافسة هي فوارق بيولوجية صرفة في خلقة العقل الإنساني، بالمثال للتقريب، أنا مؤمن أن تركيب الدماغ البشري في الجانب الفسيولوجي البيولوجي الصرف يختلف ما بين «الواسب» وبين قبائل الإنديز وما بين «الفايكنج» وسكان جنوب الصحراء السمراء. أنا هنا، وكي لا يساء الفهم لا أتحدث عن أديان بل عن أجناس وأعراق. وفي تحليل الصورة، يبدو خالد مسعود هجين مستعمرة بريطانية سابقة وضحية اندماج، ثم بعدها تبحث هذه الضحية عن هوية. ولد مسعود مسيحياً وعاش سحابة من عمره باسم أدريان رسل. وحين فقد القدرة على المنافسة في التعليم والعمل مع ثقافة المجتمع المستقبل تحول إلى خالد مسعود. هذا هو التصرف التلقائي الذي تفعله هذه الطبقات المسحوقة في الغرب حين يصعب عليها الاندماج والتعايش، فتلجأ إلى تجارب الأديان كبديل وليس الإسلام أمامها وحده كخيار، وإنما هو مجرد أحد الخيارات المتاحة من طيف الأديان الواسع. هنا تأملوا التوقيت: تقول المعلومات إن أدريان رسل تحول إلى خالد مسعود قبل عقد من الزمن. في الفترة التي كانت فيها حركة المهاجرين وعمر بكري وخطب أبي حمزة بمثابة الموائد التلقائية الطاغية أمام هذه الحشود الكبرى سواء من أبناء المهاجرين المسلمين إلى الجزر البريطانية أو الداخلين إلى هذا الدين العظيم من جديد. باختصار أخير: كان أدريان نفسا مضطربة ثائرة على ماضيها وجذرها وتبحث عن هوية.