محمد خروب

سجّل الاميركيون – الذين دفعوا بأعداد لا بأس بها من الجنود والمعدات – نقطة لصالحهم، عندما نجحوا في الإنزال الذي قاموا به قريباً من سد الطبقة (اكبر سدود سوريا والبلدة التي تبعد 40 كيلومتراً عن الرقة) بمشاركة من قوات سورية الديمقراطية، هذه العملية (اقرأ الخيار الجيوسياسي) التي تؤشر الى رغبة اميركية, في «الإنفراد» بعملية «تحرير» الرقة, واتخاذها لاحقاً ورقة مساومة أو منصة لمشروع اميركي لم يتبلور بعد, بمعنى ان احداً لم يكشف عن تفصيلاته ، وإن كان من الأكيد ان ادارة ترامب وصقور البيت الابيض الجدد, قد عكفوا عليه وربما انجزوه بعد أن منحهم ترامب مهلة «شهر» للانتهاء من مشروع هزيمة داعش، والذي برزت اشارة عليه عندما أعلن وزير الدفاع الاميركي الجنرال ماتيس، كما قائد العمليات الاميركية في العراق, انه وبعد تحرير الموصل فإن القوات الاميركية التي شاركت الجيش العراقي عملية «قادمون يا نينوى» بالتدريب والاستخبارات والقصف الجوي، لن تُسارِع الى الانسحاب من العراق.. ما يشي بان المنطقة الواقعة بين الموصل مروراً بتل عفر ودير الزور والرقة, ستكون تحت «الرادار» الاميركي وبالتأكيد على ارتباط عميق بالمشروع الاميركي غير المُعلَن حتى الان, والذي ليس بالضرورة ان يلتقي مع المساعي الروسية لحل الأزمة سياسياً، ناهيك عمّا تحمله عملية تحرير الرقة التي توقّع وزير الدفاع الفرنسي لودريان, ان تبدأ «على الأرجح» في الأيام القليلة.. المُقبلة.

وإذا كانت انقرة تبدو حتى الان الخاسر الاكبر, بعدم «سماح» واشنطن لها بالمشاركة في تلك المعركة كما رغبت او هدّدت مراراً, فضلاً عن عدم استجابتها لنداءاتها منع «الاكراد» بتصدُّر تلك المعركة، ما يُرشِّح علاقاتها بإدارة ترامب الى التوتر وربما التدهور، فإن ما لفت اليه بشار الجعفري الذي يرأس الوفد السوري في مفاوضات جنيف5, بأنه لن يكون «مشروعاً» دعم اميركا وتركيا لأي هجوم على الرقة دون تنسيق مع الحكومة السورية، يمنح الأزمة المتدحرجة (أقله حول الرقة) أهمية اضافية, وبخاصة في ظل القتال المحتدم على جبهات عديدة, وابرزها ريف حماة الشمالي الذي شهد عمليتان قام بهما الارهابيون استطاعوا فيها إحداث خرق خطير في تلك الجبهة الحيوية والاستراتيجية، ما لبثوا أن اطلقوا يوم أمس عملية اخرى تحت اسم «صدى الشام» للسيطرة – كما زعموا – على ريف حماة الشمالي الغربي, الذي لا يستطيعون تحقيقه رغم الدعم اللوجستي الذي يتلقونه من اطراف عديدة. ولم تكن عملية ارهابيي النصرة في محور جوبر – القابون بضواحي دمشق, تخرج عن هذا المخطط الذي أراد مُشغِّلو الارهابيين في العواصم الاقليمية المعروفة, فضلاً عن واشنطن وباريس، إفشال جنيف5 كما افشلوا استانة3, لِنَقل الأزمة الى فصل جديد, ترى تركيا اردوغان انها إن لم تفعل ذلك, فإنها محكومة بالخروج من دائرة التأثير وبخاصة إذا ما «توافقت» موسكو وواشنطن على حلّ ما للأزمة السورية, لا تبدو ان احتمالات نضوجه او إنضاجه متاحة الان.

هنا والأن.. يمضي الاميركيون قُدُماً في تنفيذ مخطط عسكري يمكن متابعة مقاربته على النحو الذي تشهد مناطق التواجد العسكري الاميركي المتنامي عِراقياً وخصوصاً سوريا، وهذا «الحِراك» لا يمكن النظر اليه بلا مبالاة, أو أنه مجرد رد فعل أو ادارة ظهر للسياسة التي انتهجها اوباما, والذي حرص طوال فترتي رئاسته على عدم الزج بقوات اميركية في ساحات او حروب جديدة, على النحو الذي فعله سلفه جورج بوش في افغانستان. ولهذا تعهّد بإعادة الجنود الى الديار, وكان هذا ما حصل.لكن ترامب يقول – كما وزير دفاعه ماتيس الذي خدم في العراق وقارف ارتكابات شنيعة – ما كان لنا ان ننسحب من العراق, وكرّر ذلك أمام «ضيفه» العراقي حيدر العِبادي أمام عدسات التلفزة.

وإذ لم تمض بعد المائة يوم الأولى على رئاسة ترامب, فإن ما يواجهه الرئيس الاميركي من انتكاسات وفشل لمشروعاته وابتعاد معظم الذين شكلوا الدائرة الأولى حوله وخصوصاً بعد ان فشل مسعاه لإلغاء مشروع سلفه اوباما الصحي المسمى «اوباما كير» ما أجبره على سحبه استجابة لاقتراح رئيس مجلس النواب الجمهوري رايان اونيل, الذي صارحه باستحالة تمريره الغاء المشروع، فإن ترامب لن يجد أمامه سوى الساحة الدولية للإنخراط فيها واستغلال مناطق الأزمات وبؤر التوتر المشتعلة في اكثر من منطقة في العالم، كي يحاول تسجيل بعض النقاط لصالحه، تُخفِّف من آثار الهزائم التي تلاحقه على اكثر من صعيد محلي, وبخاصة في مواجهة وسائل الاعلام وجمهور الشباب والنساء.

معركة الرقة – إن بدأت – والتي قال قادة قوات سوريا الديمقراطية ان «تطويقها» يحتاج الى اسابيع, ما يعني انها لن تبدأ قريباً كما قال وزير الدفاع الفرنسي والذي سيكون قد غادر موقعه هو ورئيسه هولاند,... (عندما تبدأ) ستكون اختباراً او مؤشراً على الوجهة التي سيأخذها «التدخل الاميركي» الآخذ في التزايد في الاوضاع العراقية وتواصل المجازر التي يرتكبها الطيران الاميركي ضد المدنيين في الموصل, وخصوصاً في يوميات ومسار الأزمة السورية، حيث يصعب والحال هذه, فصل التوجه الاميركي عن رؤية ترامب لمحاصرة ايران وتشديد العقوبات عليها وسد الطريق أمام نفوذها المتزايد على الساحتين العراقية والسورية، وهي رؤية تشاركه فيها دول عربية عديدة، ما يعني ضمن أمور اخرى, أننا أمام «فصول» جديدة لأزمات يُحتمل ان تبدأ بـِ «التوالد» على اكثر من.. ساحة عربية.