حمود أبو طالب

تنعقد اليوم القمة العربية الثامنة والعشرون خلال ظروف بالغة التعقيد لم تمر بها الأمة العربية منذ نشوئها كدول مستقلة ومنذ انعقاد أول قمة عام ١٩٤٦، التي خرجت ببيان يؤكد الواقع أنه منذ ذلك الوقت حتى الآن لم يتحقق من مضامينه شيء يُذكر فيُشكر،

ما عدا بعض الشكليات، أو الإجراءات الاستثنائية التي تضامنت فيها بعض الدول إزاء منعطفات مصيرية بينما غردت دول أخرى خارج السرب وضد مصلحة المجموع لأجل حسابات ضيقة ومماحكات ومواقف خاصة بين بعضها البعض. وبسبب هذا التأريخ الطويل من الخيبات المتواصلة التي اعترت المواطن العربي لم يعد يهتم كثيراً بمؤتمرات القمم ولا يعلق عليها أدنى الآمال، بل أصبح يسخر من وجود كيان اسمه الجامعة العربية أضاف إلى عدم جدواه المستمرة أنه أصبح في الفترة الأخيرة أبعد من له علاقة بالشأن العربي بعدما انتزعت إدارة هذا الشأن دول خارجية تضع القرارات وتحدد مصائر الأوطان والشعوب العربية المسكونة باليأس المزمن.

بإمكاننا القول إن الوضع العربي الآن تنطبق عليه مقولة نكون أو لا نكون. إنه أسوأ بكثير من كل الأزمات التي مرت ومن كل الأخطار والتهديدات السابقة. كانت الدول العربية رغم هزائمها وضعفها ما زالت دولا رغم ما يستشري فيها من خلل وسوء إدارة وخلافات، كانت دولا رغم التحفظ في إطلاق مفهوم الدولة على بعضها، لكن الوضع الآن مختلف تماما بعد أن تحولت بعض البلدان العربية إلى حطام وشتات لا تحكمه دولة مركزية ولا تديره حكومات ولا تحميه جيوش ولا يضبطه أمن. بسرعة شديدة ولأسباب عديدة من داخل تلك الدول خدمت بشكل تلقائي مخططا يهدف إلى تفكيك العالم العربي وإعادة صياغته، أفقنا على بقايا دول تتصارع فيها أعداد لا حصر لها من منظمات وجبهات وميليشيات داخلية، وأخرى خارجية مدعومة من رعاة المخطط التفكيكي، ليكون المنتج خلطة جهنمية من الإرهاب والذبح والتشريد وتقسيم الأرض والتنكيل بالبشر في محرقة الطائفية والمذهبية والعرقية والدين والأيديولوجيا والعمالة والخيانة وكل الممارسات القبيحة التي تنذر بالنهايات المفجعة.

أربع دول إلى الآن، العراق وسورية وليبيا واليمن، تحولت إلى ساحات تسودها الفوضى والدمار والتدخلات الخارجية لتكون مهددة بنهايات مؤلمة قد تجعل منها أوطانا سابقة وكيانات ممزقة مختطفة من كل حدب وصوب. وإذا لم تستيقظ الدول العربية المتماسكة وتبادر إلى تحمل مسؤولياتها لإيقاف هذا الخطر التأريخي المخيف فإنه سيستمر في تهديده للبقية الباقية، أما إذا استمرت الأطراف الخارجية في الهيمنة على الشأن العربي وإدارته بالأساليب التي نراها الآن فلن يكون هناك أمل بانتشال هذا الواقع من مآلاته المفجعة.

ولذلك، لم يعد هناك مجال للخلاف والحسابات الضيقة والنظرة المحدودة لأن الجميع في خطر، وإذا كانت بعض أخبار القمة قبل انعقادها تشير إلى محاولات لإفشال الإجماع على قرارات مصيرية فلعل القدر يخبئ لنا مفاجأة إيجابية هذه المرة بأن يدرك الجميع أن الوقت لم يعد يحتمل التردد والانتظار، وأن الطوفان يهدد الكل، لنرى تصدياً حقيقياً وشجاعا لتحمل المسؤولية التأريخية.