كمال الذيب

قراءة في مراجعات «التيار الديمقراطي»

كان لافتًا ما جاء في الندوة التي عقدتها عدد من الجمعيات السياسية (وعد - المنبر - القومي) تحت عنوان «قراءة في مسار العمل السياسي الراهن»، خاصة ما ورد في ورقة الأخ فاضل الحليبي نائب الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي التقدمي، (كما هي منشورة في الزميلة الوسط الجمعة 24 مارس الجاري)؛ لأنه شخص ولخص بكل وضوح، ومن دون مواربة، طبيعة المأزق الذي وقعت فيه جمعيات التيار الديمقراطي، قبل الأزمة، واثناءها وبعدها، وخاصة فيما يتعلق بقراءة الواقع وآفاقه منذ العام 2001، ووصولاً الى اللحظة الراهنة، خاصة ما يمكن فهمه بانه (إضاعة للفرصة) التي أتاحها المشروع الإصلاحي لبناء الشراكات، وتطوير العمل السياسي تراكميًا، بما من شأنه تعزيز التجربة الديمقراطية، وضمان استمرارية الحراك السياسي السلمي الديمقراطي. ولعل اهم نقطتين أوردهما الحليبي في ورقته - من وجهة نظري - هما:

- الدعوة إلى «عدم توقف المعارضة عن إجراء المراجعات النقدية الذاتية لمسار عمل قوى المعارضة، ومراجعة بعض رهاناتها وتقديم رؤية وطنية شاملة لتصحيح هذا المسار، وتصويب اتجاهاته ومعالجة نواقصه».

- الاعتراف بأنه قد «كان على المعارضة قراءة الموقف السياسي بعمق وبوعي سياسي ناضج، وليس بشكل عاطفي، بحيث لا تصبح شريكًا في انتكاسة العملية الإصلاحية». 

وهذا يعني - على الأرجح كما يفهم من السياق - ان القراءة السابقة للواقع وللمشروع، وما استتبعها من مواقف، لم تكن واقعية في مجملها، ولا مدركة لطبيعة الديناميات الناظمة للواقع السياسي وطاقة احتماله. ولذلك فإن الموقف التحليلي الذي عبر عنه «الحليبي» - كما أفهمه - قد ربط المراجعة - ليس بالصياغات الإنشائية الجزئية المعتادة للمراجعة - وإنما بالذهاب بها الى العمق، أي مراجعة الاستراتيجية في ضوء الأخطاء المرتكبة ونتائجها الكارثية.

وفي ذات السياق كان لافتًا أيضًا ما قاله عضو الأمانة العامة بجمعية التجمع القومي الديمقراطي الأخ محمود القصاب، والذي يمكن تلخيصه في نقطتين:

- الأولى: التأكيد على أهمية المحافظة على المسار الديمقراطي «مهما كانت المعوقات والتحديات، حيث يبقي خيار الديمقراطية والعمل السياسي السلمي هو أسلم الخيارات وأقلها كلفة».

- الثانية: التأكيد على: «أن المنطق والواجب الوطنيين يقولان بضرورة أن تتحرك الجمعيات بالإمكانات والحدود المتاحة، ومحاولة البحث عن مقاربة مختلفة، تحاول من خلالها تدوير الزوايا، وإعادة صياغة العلاقة مع السلطات الرسمية، لإحداث اختراق في الجمود القائم، والإمساك بفرصة لعودة عملية الحوار، داخل حاضنة بحرينية خالصة، بعيدا عن أية تأثيرات إقليمية أو دولية ضاغطة، وبعيدًا عن أي منظور طائفي، ومثل هذه الرؤية تستدعي الوقوف وقفه موضوعية أمام المعطيات الراهنة، واستخلاص النتائج بمسئولية وشجاعة، ومن ثم إعادة الحسابات وترتيب الأولويات»..

وأعتقد أن هذه القراءة في مجملها مبشّرة، ولو انها كانت موجودة في السابق، لما وصل التيار الديمقراطي إلى ما وصل إليه اليوم من سوء المآل، ولكن المزايدات السياسية والطائفية في السابق، قد طغت على الأصوات العاقلة والمسؤولة، فضاعت وسط الغوغاء وضوضاء الشعارات، خصوصًا وان فرصة الحوار - من أجل تجاوز الازمة - قد ارتيحت مرتين، ولم تستفد منها المعارضة، بل اهدرتها بكل رعونة، واضاعت على نفسها وعلى المجتمع وقتًا ثمينًا.

إن اللافت أن جوهر ما قيل في هذه الندوة من آراء وتحليل سياسي، كنا نقوله ونكتبه، بشكل مستمر، وكنا نواجه بالنقد واللوم، وحتى بالتجريح، في بعض الأحيان بسببه. ومع ذلك، دعونا نقول إن التمسك بالنهج الإصلاحي السياسي والديمقراطي، ودعم المشروع الإصلاحي، ورفض العنف والإرهاب والتطرف، والتمسك بالقانون والعمل من داخل المؤسسات الدستورية، هو الحل الوحيد لإنقاذ ما بقي من الحراك السياسي الوطني السلمي والعقلاني، وتطويره، لتجاوز المعوقات والتحديات والمحافظة عليه. ولكن ماذا عن جوهر الموضوع، جوهر المراجعة، بعيدًا عن النوايا الطيبة وعن التعبيرات الانشائية التي لا تفيد في العمل السياسي؟ 

كما أن المراجعة الحقيقية والجدية يجب أن تتجه مباشرة إلى ما هو جوهري، والأكثر عمقًا وتأثيرًا على حياة المجتمع السياسي، والمجتمع ككل:

- أولاً: وضع حد للتحالف مع القوى الطائفية بأي شكل من الاشكال، بل والقطع معها فكرا وممارسة، تلك القوى التي ورطت الجميع في مغامرتها المشؤومة، التي كانت وراء إحياء النعرات وبناء جدار وهمي بين مكونات المجتمع الأساسية. وضرورة التوقف عن توفير المبررات والأسباب المزيفة لمثل هذا التحالف الذي انكشف في لحظة الحقيقة، وتعرى تمامًا، وإذا كان لابد من تحالف، فلم لا يتم بين القوى الديمقراطية الحقيقة، وليس بالضرورة أن يكون هذا التحالف في مواجهة القوى الطائفية، وإنما يكون من اجل كسر الدائرة المغلقة التي يحتكر مجالها الطائفيون، وإخراج البلد من جدل الطائفية الذي أغرقتنا فيه الجماعات الطائفية من كل جهة. فهنالك قضايا جوهرية مثل ترسيخ وإنجاح التحول الديمقراطي، ومدنية الدولة، والاخذ بأسباب الحداثة، وتمكين المرأة وحفظ حقوقها الإنسانية، والتنمية الاقتصادية، وحل المشاكل المعيشية العديدة والعدالة الاجتماعية، تستحق أن تكون مدار نقاش وطني حي، يكون فيه للقوى الديمقراطية الباع الأطول والدور الأبرز، بما تمتلكه-او يفترض انها تمتلكه-من فكر وخبرة تجعلها قوة اقتراح إيجابية.

- ثانيًا: إن القلق اليوم لا يتأتى فقط، من التوجس من طبيعة العلاقة مع القوى الطائفية، وإنما يرتبط أيضا بالتساؤل عن سر غياب التحالف العضوي والفكري والسياسي بين القوى الديمقراطية. حيث لم يعد مقبولاً، وجود او استمرار او إعادة انتاج علاقة عضوية (أوراق ومشروعات وبينات وتحالفات) بين جمعيات التيار الديمقراطي، وأي جمعية طائفية مغلقة، خاصة عندما تتجاوز هذه العلاقة مستوى العلاقات السياسية بين أحزاب متناقضة رؤية وبرامج، إلى مستوى التحالف المستميت والاستراتيجي، وتنسيق السياسات، لأن مثل هذا الفعل - فضلاً عن كونه مناقض تمامًا لمنطق التاريخ والفكر - فإنه يسهم في تجميل صورة الطائفية، وتكريسها كممارسة مشروعة، خصوصًا وأن التجربة التحالفية السابقة قد ألحقت أفدح الاضرار بجمعيات التيار الديمقراطي، بين أوساط جمهورها الصغير، وأضاعت مصداقيتها، حيث تم استخدامها لمجرد (الزينة) والإيهام السياسي فقط!

- ثالثًا: ضرورة التخلص ديمقراطيًا من بعض القيادات التي اثبتت فشلها في قيادة الجمعيات، وقامت بتوريطها، ودفعت بها الى مغامرة مظلمة، ولذلك باتت الحاجة ماسة لتجديد صفوفها الأولى، بكوادر وعناصر أكثر كفاءة، وإخلاصًا للفكرة الديمقراطية، وأكثر وعيًا بطبيعة المرحلة وبالتهديدات والتحديات التي تواجهها البلاد. بعيدًا عن تلك الوجوه والاصوات التي تصدر عنها تصرفات مواقف، أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها استفزازية، وتفتقر الى قدر من الرصانة والمسؤولية السياسية.

ويبقى في الأخير القول إن ارتفاع مثل هذه الأصوات اليوم، وبهذا الوضوح، يدعو إلى أخذها مأخذ الجد، ومن الضروري التجاوب معها والدفع بها إلى افق أوسع، يسهل عملية المراجعة، واستعادة الشراكة الوطنية من خلال الحوار السياسي الوطني.

 

همس

يتساءل البعض متى سيتم الاعتذار عن شعارات 2011م الشهيرة، وهل ستكون ضمن صندوق المراجعات الصادقة، من نوع (ارحلوا، وانتهت الزيارة) ورفع المشانق ونشر القوائم السوداء، وغيرها من الشعارات والممارسات التي تركت جرحًا غائرًا وهزت الثقة وكانت وراء بداية الشرخ؟