تطورات لبنان المتصلة بالقمة تسرق الأضواء في موازاة اهتمام بالثوابت العربية مع ترامب

روزانا بومنصف

 

توجه لبنان الى القمة العربية في الأردن على وقع عنصرين متناقضين، يتمثل الاول بتوجه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في وفد مشترك يفترض انه يعطي الانطباع المؤكد والمثبت لموقف رسمي موحد بعيدا مما شاب هذه المواقف من تناقض فعلي من مسائل يقر المسؤولون بالاختلاف في شأنها، انما على اساس تجميدها في المرحلة الراهنة. وأضيفت الى هذا الاعتبار المسارعة الى إقرار انجازي الموازنة وخطة الكهرباء، ولو ان كثرا يعتبرون ان هذه الاخيرة "سلقت" سلقا، إذ إن الساعات الثلاث لا يمكن ان تكون كافية للبحث في خطة ولو كانت مكملة لخطة سابقة. ويتمثل العنصر الآخر بالمذكرة التي وجهها رؤساء جمهورية وحكومة سابقون الى الامانة العامة للجامعة العربية، تعبيرا عن التمسك بجملة اعتبارات وثوابت يفترض أنها تؤكد ابتعاد لبنان عن الصراعات في المنطقة من ضمن التمسك بالتضامن العربي. وليس واضحا اذا كانت المذكرة أدّت دورا في التعجيل في إقرار خطة الكهرباء بجلسة واحدة من أجل إظهار المزيد من التضامن والتوافق الداخلي وعدم وجود انقسامات فعلية بين أركان الحكم، إلا أن المؤكد أن هناك مقاربات سياسية تتشارك فيها قيادات سياسية مختلفة عن المقاربة المعتمدة من رئيس الجمهورية، وتم التعبير عنها على نحو قوي يعاكس على الاقل المبدأ الذي يفيد بأن رئيس الجمهورية يتحدث باسم جميع اللبنانيين. وسرقت هذه التطورات الداخلية التي تنقل وجود اختلاف- ان لم يكن وجود انقسام بين اركان الحكم ومن هم خارجه- الى القمة العربية الاضواء، اقله امام اللبنانيين ومتابعي الشأن الداخلي من امام ابعاد اخرى يتوخاها مراقبون ديبلوماسيون من القمة، علما ان البعض كان سلط الضوء على مشاركة لبنان من زاوية كيفية مقاربته للتحديات والقرارات التي يرغب الملوك والرؤساء في اتخاذها، في الوقت الذي قد تحرجه هذه القرارات في بعض النقاط. فما حصل يتم ترقب مفاعيله في القمة، سواء في نوعية اللقاءات التي ستعقد أو الكلمات التي ستلقى ومدى الحرارة ازاء لبنان، كما ستتم مراقبة مفاعيله لاحقا وانعكاساته في الداخل، خصوصا في ضوء رد قوي للرئيس سعد الحريري في الطائرة الى عمان لدى سؤاله عن موضوع المذكرة، بقوله: "القطار سائر في لبنان الى الامام ومن يريد ان يستقله فليتفضل".

الأبعاد التي ينتظرها المراقبون الديبلوماسيون لجهة ان تعيد القمة العربية تكرار ثوابت في مواقفها، كانت كذلك خلال الاعوام الماضية، وتبقى راهنا حتى إشعار آخر. وواقع الحال كما هو معروف ان لا شيء كثيرا يرجى من القمم العربية عموما، انطلاقا من أنها تؤمن توافق الحد الادنى الذي لا يقدم أو يؤخر في أي تغير في الموقف العربي إزاء مجموع التحديات التي تواجه المنطقة، فيما تتبخر القرارات التي تعلن، وكأنها لم تكن. إلا أن التحدي الابرز في رأي هؤلاء هو عودة الدفء الى العلاقات السعودية- المصرية بعد برودة على وقع اختلاف في مقاربة البلدين موضوع سوريا، وتحديدا الرئيس بشار الاسد، وفقا لما هو مرتقب، وانعقاد هذه القمة على خلفية وجود ادارة اميركية جديدة من المؤشرات التي قدمتها حتى الان لجهة امكان التعاون مع الدول العربية على نحو مختلف عن سابقتها. ولذلك فان السؤال هو هل يمكن الدول العربية، ومن بين قادتها من التقى الرئيس الاميركي الجديد، إضفاء مسار جديد على السياسة التي قد تعتمدها الدول المؤثرة في المنطقة من جملة قضايا ومسائل حساسة، تبعا للعناوين أو الاتجاهات التي ينوي الرئيس الاميركي اعتمادها، علما أن ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان زار واشنطن قبل عشرة أيام، فيما يزورها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هذا الاسبوع. وفي طليعة ما يتم ترقبه في هذا الاطار هو المؤشرات في ما خص مسألتين في غاية الاهمية، إحداهما هي الموقف من إيران وتدخلاتها في دول المنطقة وكيفية ردعها في الدول التي تتدخل فيها، خصوصا في سوريا، والآخر هو إعادة تأكيد التمسك بالمبادرة العربية للسلام التي اطلقها الملك السعودي الراحل عبدالله من بيروت عام 2002. فهذه الاخيرة، يفترض بعد 15 عاما على وضعها على الطاولة امام اسرائيل، اما ان تسحب وإما أن تعدل في ضوء رفضها من اسرائيل. وفيما اعتبر سياسيون كثر أن المبادرة غدت ميتة تبعا لرفضها من اسرائيل من جهة، ولتداعي فرصة حل الدولتين بين اسرائيل والفلسطينيين من جهة أخرى، خصوصا ان المبادرة تلحظ انفتاحا وامنا عربيين في مقابل انسحاب اسرائيل من الاراضي المحتلة والسلام مع الفلسطينيين، فإن إعادة تأكيد استمرارها في هذه المرحلة هي رد مباشر على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي نعى حل الدولتين وسعى إلى إقناع الرئيس الاميركي بهذا التوجه أيضا، علما أن هذا المنحى كان من ضمن أدبيات وزير الخارجية السابق جون كيري ايضا. التمسك بالمبادرة وعدم سحبها من التداول يظهر ان لا بديل محتملا يقدمه العرب، وهو السقف الذي لا تزال تعمل تحت سقفه الدول المؤثرة، ولو ان ثمة معطيات سابقة تحدثت عن فصل بين بنود المبادرة على قاعدة ان ثمة انفتاحا محتملا او ممكنا مع اسرائيل، ولو على قاعدة رفض التفاوض مع الفلسطينيين واي حل معهم. فيما الموقف من ايران ينتظر في رأي المراقبين بلورة الادارة الاميركية مقاربة جديدة يعتبر هؤلاء انه سيمكن تلمس عناوينها في القمة.