شملان يوسف العيسى

ما حدث في لندن وغيرها من المدن الأوروبية العريقة الآمنة من عمليات إرهابية، هو نوع جديد من الإرهاب تصعب متابعته والقضاء عليه لأنه لا يتبع تنظيمًا سياسيًا إرهابيًا معينًا يمكن ملاحقته والقضاء عليه، فالشرطة البريطانية تعتقد بأن خالد مسعود تصرف بمفرده وليس هنالك معلومات أو أدلة استخباراتية تشير إلى أنه كانت هنالك استعدادات للعملية.

السؤال كيف يمكن التعامل مع العمليات الإرهابية الفردية، خصوصًا أن الاستخبارات البريطانية قد اعترفت بكشف 12 عملية إرهابية قبل حدوثها منذ عام 2013...

الهدوء وضبط النفس في هذه المرحلة هو الرد القوي على العملية الإرهابية؛ رئيسة الوزراء البريطانية في كلمتها أمام البرلمان شكرت قوى الأمن التي تلاحق الإرهابيين على مدار الساعة وأكدت أن بريطانيا لن تخضع لتهديدات الإرهاب وسيبقى بلدها منارة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

هل يمكن اعتبار ما حدث اختراقًا أمنيًا للإرهابيين؟ وهل العمليات المفاجئة التي يقوم بها بعض الإرهابيين ستؤثر في المجتمعات والدول الأوروبية المستقرة؟ لا يمكن مراقبة كل الأشخاص المشتبه بهم طوال الوقت، خصوصًا إذا كان هؤلاء من الانتحاريين المغرر بهم من قبل التنظيمات المتطرفة التي تمني الشباب اليافع بالحور العين في سياق لا يرضاه ديننا الصحيح.

ما هي خطورة الوضع الحالي بعد أحداث لندن الإرهابية؟ من المؤكد أن تنظيم داعش يتعرض لضغوطات عسكرية في كل من سوريا والعراق، وهنالك محاصرة دولية لمصادر تمويله وملاحقة مستمرة لكل قياداته، لذلك تعتبر العمليات الفردية - مثل عملية لندن حيث تأكد أن مرتكبها خالد مسعود تصرف بمفرده - إشكالية سليمة، لأنها حريصة على عدم مصادرة حريات أي فرد، فقد أطلقت الشرطة البريطانية سراح ثمانية أشخاص معقدة، إذ كيف يمكن التعامل مع «العمليات المنفردة» مثل هذه؟ لا شك أن الإجراءات البريطانية كانت مشتبه بهم بعد التحقيق معهم في أقل من 24 ساعة.

يبقى السؤال معلقًا ما هي أفضل وسيلة لمحاربة الإرهاب؟ هل الاستراتيجية العسكرية والحلول الأمنية هي الحل؟ أم أن الأمر يتطلب حلولاً سياسية لمحاربة الإرهاب والقضاء على فكره التخريبي.

تعتبر عملية مكافحة الإرهاب والعنف المسلح عسكريًا عملية صعبة ومعقدة، خصوصًا في حالة وجود بيئة حاضنة للإرهاب والإرهابيين؛ ففي مصر مثلاً ورغم كل المجهود العسكري الضخم في ملاحقة الإرهابيين الدواعش في سيناء لم يحقق النتائج المرجوة منه بعد، ولو أنه حد منه.

ما زالت الحملة العسكرية في العراق ضد «داعش» مستمرة، فلا تزال القوات العراقية وبدعم من الولايات المتحدة متواصلة منذ ثلاثة أشهر وما زال هذا التنظيم الإرهابي يفتعل التكتيكات وتهرب عناصره لمناطق ودول أخرى لإحداث مزيد من القلاقل.

وفي سوريا مضت ست سنوات على الثورة السورية ورغم كل المساعدات العسكرية اجهضتها الميليشيات الشيعية التابعة لإيران مثل «حزب الله» اللبناني وقوات وميليشيات شيعية عراقية يصل عددها إلى أكثر من 25 تنظيمًا شيعيًا، ويشارك مقاتلون من باكستان وأفغانستان أيضًا في دعم نظام الأسد. ولولا التدخل الروسي، وهي دولة عظمى، لما استطاع الإيرانيون وقوات الأسد هزيمة الثوار في حلب وغيرها من المناطق. 

وفي اليمن ما زالت الميليشيات الانقلابية الحوثية وقوات صالح تعيث في البلاد فسادًا. نحن نعي تمامًا أن الإرهابيين ورغم لجوئهم للعنف والقتل والتشريد وغيره، فإن فرصهم للفوز وتحقيق انتصار عسكري لصالحهم أمر مستبعد جدًا.

هنالك تحالف دولي ضد الإرهاب والإرهابيين وهنالك استراتيجيات أعدتها الأمم المتحدة والدول العظمى تعمل على اقتلاع الإرهاب والقضاء عليه. لقد أعدت الدول المتقدمة استراتيجيات تمنع الإرهابيين من الوصول إلى بلدانهم من خلال القضاء على قياداتهم وقطع اتصالاتهم وملاحقة من يقوم بدعمهم ماليًا..

علينا في الخليج والعالم العربي العمل بجد وجهد مع الجاليات المسلمة في أوروبا لمكافحة التطرف والعنف وعدم الخلط بين محاربة التطرف ومحاربة الإسلام، وهذا يتطلب من الجاليات المسلمة أخذ الحذر والتيقظ من بعض ما يتناوله بعض الدعاة والأئمة في المساجد والمناسبات الدينية.