اميل خوري


لم يتعثر الرئيس ميشال عون في كلمته أمام القمة العربية في عمّان كما تعثّر في سيره إليها لأنها خلت من المطبّات ومن التطرق الى مواضيع مثيرة للخلاف داخل لبنان وداخل الدول العربية أيضاً، فكانت كلمته هادئة وهادفة لا استفزاز فيها لأحد، ما يؤكد أن هذا هو لبنان الواحد الموحّد الذي يهمه أن تكون الدول العربية على وفاق وتوافق حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك، لأنه بالوفاق والتضامن يتم التوصل الى الحلول المقبولة لها قبل أن يفرضها الخارج عليها فتذهب "فرق عملة" كما قال الرئيس عون في كلمته بعد عرضه الأخطار التي تواجه دول المنطقة ولم تتحد لمواجهتها. وختم بكلمة: "اللهم إني بلّغت".

وإذا كانت كلمة الرئيس عون تجنّبت إثارة المواضيع المختلف عليها والابتعاد عنها، فإن مناقشات القمة حرصت هي أيضاً على ذلك، حتى أن البيان الختامي اكتفى بتحديد موقف من المواضيع التي لا خلاف عليها كي تكون قمة عمّان قمة التهدئة التي قد تفتح الباب لمصالحات عربية قبل أن تدعو الى مصالحة إسرائيل. فهل تحقق القمة المقبلة في الرياض ذلك وتنتهي الحروب في المنطقة وتنهي معها النزاع المزمن بين إسرائيل والعرب والفلسطينيين على أساس حل الدولتين الذي لا حل سواه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كما لا حل لعودة اللاجئين السوريين الى ديارهم إلا بوقف الحرب في سوريا على أساس حل عادل وشامل؟

والسؤال المطروح هو: هل كان الرؤساء الخمسة السابقون وجّهوا رسالة الى جامعة الدول العربية لو أنهم كانوا يعلمون مضمون كلمة الرئيس عون التي حاذرت التطرّق الى مواضيع مثيرة للخلاف، ومنها تلك التي عدَّدتها رسالة الرؤساء، أم أنهم كانوا يتوقعون إثارتها في قمة عمّان ليكون للبنان موقف واضح منها ذكّرت به الرسالة، أم أنهم كانوا يريدون تذكير الوفد اللبناني الى القمة بها، حتى إذا ما أثيرت يكون له موقف واضح وتكون الرسالة دعماً لموقف لبنان؟ فهل أخطأ الرؤساء الخمسة السابقون في استباق كلمة الرئيس عون في القمة وكان عليهم انتظار ما سيقول فيها للتعليق عليها لا أن يسبقوه في قول ما عليه قوله أو ما لا يريد قوله، فيكون لبنان مسؤولاً عن إثارة مواضيع خلافية ينبغي تجنّب إثارتها لتحافظ القمة على أجوائها الهادئة، ولا يتكرّر ما كان يحصل فيها أحياناً إن لم يكن غالباً من توترات وصدامات كلامية انتهت بحروب لا تزال مشتعلة؟

ثمة من يرى في رسالة الرؤساء الخمسة السابقين خطيئة عرضية، ومن يرى فيها خطيئة مميتة، إلا أنه لا يجوز الحكم على نيات أصحابها وهي أنهم يريدون، كما يظن البعض، التشويش على وفد لبنان الى قمة عمان وهو يحضرها بوفد واحد وكلمة واحدة. 

وبعض آخر يرى أن المقصود منها دعم موقف الوفد إذا ما أثيرت المواضيع التي تضمنتها. أما وأنها لم تُثَر فإنها تبقى تأكيداً لموقف الرؤساء الخمسة منها في أي وقت أو ظرف تثار، إذ مَنْ مِن القادة في لبنان يرفض الالتزام الكامل باتفاق الطائف واستكمال تنفيذ بنوده، وبالدستور والعيش المشترك الجامع بين اللبنانيين. ومَنْ منهم لا يريد التزام لبنان الانتماء العربي وكذلك الاجماع العربي وقرارات الجامعة العربية وقرارات الشرعية الدولية. ومَنْ منهم لا يريد التزام "اعلان بعبدا" الخاص بتحييد لبنان عن سياسات المحاور والصراعات الاقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الاقليمية حرصاً على وحدته الوطنية وسلمه الأهلي. ومَنْ منهم ليس مع ضرورة الاهتمام العربي بالتضامن مع لبنان في تحرير أرضه وفي رفض السلاح غير الشرعي وضرورة بسط الدولة اللبنانية سلطتها وحدها على كامل التراب اللبناني.

مما لا شك فيه أن غالبية القادة في لبنان وغالبية اللبنانيين يؤيدون النقاط الواردة في رسالة الرؤساء الخمسة، لكنهم يختلفون على توقيت إثارتها وعلى الظرف المناسب فلا تثير خلافات وانقسامات، لأنه مطلوب أن تسود قمة عمان أجواء الهدوء والتهدئة، وأن إثارة هذه النقاط فيها قد تعكّر أجواءها، لذلك يرى البعض أن كل شيء حلو في وقته وبشع لا بل مرّ في غير وقته... فهل تمهّد قمة عمان لمصالحات عربية تتحقّق في القمة المقبلة في الرياض لتتبعها مصالحة تاريخية مع إسرائيل على أساس حل الدولتين؟