ايشان ثارور

رغم أن الحادث ما زال يكتنفه الالتباس، فإن تقارير الأسبوع الماضي أشارت إلى أن الولايات المتحدة شنت غارة جوية على مدينة الموصل العراقية، وأن الغارة ربما أودت بأكثر من مائة شخص. وفي غضون ذلك أكد مسؤولون أميركيون أن التحالف شن الهجوم يوم 17 مارس على حي «الجديدة» المزدحم في الشطر الغربي من الموصل، والوقع قرب الخطوط الأمامية للهجوم الذي تقوده القوات العراقية ضد مقاتلي تنظيم «داعش» المتحصنين داخل المدينة. وقد أجرى الجيش الأميركي والسلطات العراقية تحقيقات في الحادث. وقالت «واشنطن بوست»: «إذا تأكد الأمر، فإن حادث 17 مارس سيشكل أكبر خسارة في صفوف المدنيين منذ أن بدأت الولايات المتحدة ضرباتها على أهداف تنظيم داعش في العراق وسوريا عام 2014».

وتأتي الأخبار من الموصل عقب تحقيق آخر تم فتحه مؤخراً بشأن ضربة جوية أميركية، لكن هذه المرة على أهداف لـ«القاعدة» في شمال سوريا. وربما تكون هذه الضربة قد قتلت عشرات المدنيين الذين كانوا يلتمسون الملاذ في مسجد قريب. وتعتقد منظمة «إير وورز» البريطانية أن أكثر من ألف مدني قد قتلوا في كلا البلدين جرّاء الغارات التي شنتها قوات التحالف خلال مارس المنصرم فقط. ويعتقد محللون أن هذه الزيادة في الوفيات ربما تكون نتيجة للتحول في الحملة المناهضة لتنظيم «داعش» في عهد الرئيس ترامب، الذي دعا إلى اتخاذ إجراءات أكثر تعقيداً ضد الجهاديين. وكانت العملية الرئيسية الأولى لمكافحة الإرهاب في عهد ترامب هي الغارة الجوية التي شنتها القوات الخاصة الأميركية في اليمن، والتي يرجح أن تكون قد أودت بعشرات المدنيين. وكتب «لافداي موريس» و«ميسي ريان» في صحيفة «واشنطن بوست»، أنه فيما اعترفت إدارة أوباما بأن عملياتها العسكرية أدت إلى وقوع بعض الإصابات بين المدنيين في العراق وسوريا وغيرهما، فإن هذه السلسلة من المزاعم المنتشرة على فترات متقاربة تبدو مثيرة للدهشة. لقد وصلت العمليات ضد معاقل «داعش» مرحلةً جديدة وأكثر كثافة في الموصل، حيث تقاتل القواتُ المحليةُ المسلحينَ في الأحياء المكتظة بالسكان. وكذلك في سوريا، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى توجيه ضربة قاسية إلى عدة جماعات مسلحة.

وما زال من الصعب تأكيد تفاصيل ما حدث يوم 17 مارس. وبينما تم سحب أكثر من مئة جثة من تحت الأنقاض بعد أسبوع كامل من الضربة، قدمت السلطات العراقية روايات متضاربة عن الهجوم. وأعلنت القيادة المشتركة للجيش العراقي أن الوفيات نجمت عن انفجار سيارة مفخخة تابعة لـ«داعش»، وأنها أدت إلى انهيار منازل تؤوي عشرات الأشخاص. لكن قائد الدفاع المدني في الموصل، الجنرال محمد محمود، أكد لـ«واشنطن بوست» أنه من بين الأدلة الأخرى، عدم وجود حفرة في الطريق، وهي علامة على تفجير سيارة، يشير إلى أنها كانت ضربة صاروخية.وبطبيعة الحال، ليس هناك جديد بشأن المدنيين العراقيين الذين يموتون في الضربات الجوية الأميركية، فقد كانت هذه البلاد، ولعقود عديدة، هدفاً للعمليات العسكرية الأميركية. بيد أن إدارة ترامب تسعى لإيجاد وسائل لتجاوز القيود التي فرضها أوباما أثناء رئاسته بهدف الحيلولة دون حدوث وفيات بين المدنيين. وقد ذكر ضابط في القوات الخاصة العراقية، تحدث إلى صحيفة «نيويورك تايمز»، شريطة عدم الكشف عن هويته، أنه كان هناك تراخٍ واضح في قواعد الاشتباك منذ أن تولى ترامب الرئاسة. بيد أن المتحدث باسم البنتاجون أنكر هذا الزعم.

وعلى أي حال، فإن المدنيين المحاصرين في الموصل هم الآن محصورون بين جماعة مسلحة شرسة تتشبث بالمدينة باستخدام مجموعة من التكتيكات البشعة، وبين هجوم تقوده القوات الأميركية والعراقية، مما يعرضهم للخطر الكبير.

*محلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»