سمير عطا الله

 عندما يقع أمر مخيف على مستوى الإنسانية جمعاء، مثل مجزرة خان شيخون، تتطلع الأمم لصورة تلقائية إلى نفسها، وليس إلى مركز المأساة. فالحدث هنا أكبر من الفاعل وأبعد من الضحايا. ولذا، تتلمس الدول نفسها أولاً، وترقب ردود «الحرس الكوني»، المعروف بالدول الكبرى، وخصوصاً بينها الولايات المتحدة، التي لعبت «زعيمة العالم الحر». لعل لا وجود له، وحرية عدمية.


فوجئت أميركا في غفلتها الطويلة، وأعلن السيد ترمب أن المسؤول هو السيد أوباما، الذي لا يكف عن استحضاره من الأرشيف، كلما أراد التخفف من أي مسؤولية. وخلال يومين متتاليين، أدلى وزير خارجية أميركا، ومندوبتها لدى الأمم المتحدة، بموقفين شديدي التناقض من نظام بشار الأسد، والذين راحوا يترقبون كيف سيعثر السيد لافروف على «مخرج» هذه المرة، لم ينتظروا طويلاً: صحيح أن النظام هو الذي قصف، لكن مستودع الغازات السامة بضاعة إرهابية.
تحيات طيبة إلى الجميع. هناك سباقان؛ الأول في إدارة التوحش، والثاني في فذلكته. يا سيد لافروف، كم أنت بارع، دائماً تتجاوز نفسك، والآن عندك ند أميركي يسهل عليك تجاوزه. فالرجل قليل الكلام، محدود التعابير، بينما معاليك «بالع راديو». إذاعة مفتوحة. هنا موسكو «حي العرب»، مثلما كان يونس بحري يهتف من برلين الهتلرية: «هنا برلين، حي العرب».
واحسرتاه، يا صاحب المعالي، أيها الرفيق المناضل سيرغي فيكتوروفيتش، لقد ذكرتنا بالسيدة التي كتبت إلى أنطون تشيكوف تؤنبه على ترك أبطاله دون حيلة: كيف تتركهم هكذا؟ كيف تبدأ بهم بمثل تلك الجدية ثم تترك النهاية للمصادفات، كل واحد يرسمها كما يشاء؟
أقدر ظروف معاليك، وكما كان يقول الرفاق أيام اللغة البالية، أثمِّن جهودك تثميناً عالياً. واضح أنك تعبت، وأصابك ملل الرتابة: مجزرة، ثم فيتو. وفيتو، ثم فيتو. هذا يسمى يا صاحب المعالي، تسخيف الشر. ولست وحدك. حاول أن تتابع اللغة التي تستخدمها مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة، وكيف تستخدم نعلها يركل معارضي إسرائيل. هذه السيدة حلت محل المسز أولبرايت، التي قالت من منبر هيئة الأمم، إن فيدل كاسترو من دون خصيتين. وضحكت لها الأمم. لماذا ضحكت لها الأمم؟ لأن العالم برمّته مثل كاسترو. ولأن الدول الكبرى شاهد زور يجلس على بوابة الأمم المتحدة ويعرض خبراته للبيع. بكل مهارة تقسّم موسكو مجزرة خان شيخون بين ملكية الغاز السام، وبين مفجره. كف عن قراءة تشيكوف يا سيرغي فيكتوروفيتش. الأطفال ليسوا قصة قصيرة..