محمد السلمي

هل سيدرك أتباع المذهب الشيعي، الذين انجرفوا خلف مشروعات إيران، خطورة الطريق الذي ترسمه لهم إيران، والذي يسيرون فيه؟

تعمل أيديولوجيا ولاية الفقيه على استخدام أدوات مختلفة وسبل متنوعة، تصبُّ جميعها في مصلحة المشروع السياسي الذي يستهدف المنطقة العربية. وهي أدوات متعددة تشتمل على ما هو فعلي وعملي، وعلى ما هو فكريّ وعقليّ أيديولوجي، غير عابئة بما تتسبّب فيه للمنطقة من أزمات ومشكلات تضاف على أزماتها العصيبة.
ومن الأساليب التي عمل عليها هذا النظام منذ اختطاف ثورة الشعوب في إيران عام 1979، أنه أخذ في ترسيخ التوجهات العسكرية في المذهب الشيعي، أي جعل التوجّه العسكري أساسا من أساسات المذهب الشيعي، لا يقوم الأخير من دونه، بالإضافة إلى أنه جعل ذلك التوجّه عنصرا أساسيا وحيويا في ترويج أيديولوجيا ولاية الفقيه، وما يسمى في أبجديات نظام الملالي بـ«تصدير الثورة»، حتى إنه صار جزءا من دستور الجمهورية الإيرانية، إضافة إلى التجييش الطائفي ورفع وتيرته في المنطقة العربية، سعيا وراء مدّ الأذرُع الإيرانية، عسكرية كانت أو دينية، في المنطقة، وفي عديد من دول العالم.
ولقد كانت عسكرة المذهب الشيعي تعتمد على عدة أدوات عمِلَ النظام الإيراني على ترسيخها وإعدادها دوما لتفعيلها حيثما استطاع، من هذه الأدوات تدريب الأقلّيات الشيعية الموجودة في المنطقة العربية وخارجها، ويشمل هذا التدريب استخدام الأسلحة في المعارك، بالإضافة إلى تأهيل هذه الأقليات عسكريا بهدف إقحامهم في القتال داخل دولهم من أجل خدمة المشروع الإيراني التوسّعي العابر للحدود.
ومن هذه الأدوات أيضا أن نظام ولاية الفقيه يعمل على أن يستقطب ويدرّب بعض الشيعة في دول أخرى غير مستقرة، مثل أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان واليمن، بهدف توجيههم للقتال على أراض غير أوطانهم، خصوصا في سورية، فهو يهدف من ناحية إلى ضرب بعض الدول (العربية) من داخلها بتدريب أبنائها من الشيعة، ومن ناحية أخرى يسعى إلى ضرب دول أخرى من خارجها بتدريب أجانب وإرسالهم للقتال فيها.
ولا تتوقف أدوات نظام الملالي على هاتين الأداتين، بل تستمر وتظهر في شكل شعارات وتسميات كثيرة ذات دلالات مذهبية، يتخذها النظام ليطلقها أسماء على الألوية والكتائب ومعسكرات تدريب القوات المسلحة الإيرانية بشكل عام، وألوية وكتائب ومعسكرات تدريب الحرس الثوري على وجه الخصوص، ومن هذه الأسماء قاعدة «ثامن الأئمة» وقاعدة «الغدير»، بالإضافة إلى لواء «ولي العصر» ولواء «ثأر الله» وفيلق «عاشوراء» وغيرها من الأسماء الموجهة أيديولوجيا والمثيرة للنعرة الطائفية لدى المتدرِّين. ولم يكتف النظام في هذا الجانب بإطلاق هذه التسميات الطائفية على الفرق واللواءات الإيرانية، بل أطلقها بالمثل على عديد من الألوية التي أنشأها الحرس الثوري من مقاتلي دول أخرى، مثل لواء «فاطميّون» الأفغاني، ولواء «زينبيون» الباكستاني، وهما لواءان من مقاتلين يقاتلون في سورية تحت إمرة فيلق القدس، وكل هذا تحت مزاعم «الدفاع عن المقدسات الشيعية».
علاوة على ذلك يعمل النظام الإيراني على ربط كل ما يحدث في المناطق التي تورطت فيها إيران، بما في هذه المناطق من أضرحة ومزارات دينية شيعية، حتى إن إيران أطلقت على العناصر التي درّبتها، والمرتزقة الذين تموّلهم، اسم «مدافعي الحرم»، وهو اسم آخر يحمل دلالات مذهبية شيعية، إذ يحمل إشارات إلى بعض الأضرحة والمزارات الموجودة في مدينتي النجف وكربلاء في العراق، بالإضافة إلى ضريح السيدة زينب في سورية، وغير ذلك من الأماكن والمزارات التي تتخذ منها إيران ذريعة لبثّ عناصرها التخريبية في المنطقة.
ولم تتوقف العسكرة الإيرانية للتشيع عند هذا الحد، بل امتدّ الأمر ليصل إلى اليمن، حيث عمل النظام الإيراني على الربط بين ما يفعله الانقلابيون الحوثيون، ما ظهور من سمّوه «إمام الزمان»، أو «المهدي المنتظر»، فذهبوا إلى ادعاء أن زعيم الحركة الحوثية هو اليماني الوارد في الأثر، الذي سيخرج من اليمن لمناصرة المهدي المنتظر عند ظهوره.
والأمثلة على سعي طهران الخمينية وعملها الدؤوب على عسكرة المذهب الشيعي، وأدلجة أتباعه الموالين لها في المنطقة، لخدمة مشروع إيران التوسعي، ومن أجل زعزعة أمن واستقرار المنطقة والعالم، وإثارة الطائفية، ودعم الإرهاب، هذه الأمثلة أكثر من أن نذكرها جميعا في مقال واحد، بل لعلها تحتاج إلى دراسات عديدة لتوفيها خطورتها. إلا أننا هنا لا بد من أن نطرح سؤالا نراه شديد الأهمية: هل سيدرك أتباع المذهب الشيعي، الذين انجرفوا خلف مشروعات إيران، خطورة الطريق الذي ترسمه لهم إيران، والذي يسيرون فيه؟ وهل سيدركون أن هذه الخطورة ليست عليهم فحسب، بل على أوطانهم من قبلهم، وعلى معتقداتهم، وعلى سمعة المذهب الذي ينتمون إليه، الذي لا يشكّل فيه الشيعة الفرس إلا أقلية؟ فكيف يرضى هؤلاء العرب بأن يصبحوا تابعين للإيرانيين/ الفرس، بعد أن كانوا هم مصدر هذا المذهب الأول والأساسي؟