نسرين رمضاني

اعتبر عبدالجليل التميمي المؤرخ التونسي، وصاحب مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، في تصريح لـ”العرب”، أن الشهادات التي قدمت خلال جلسات الاستماع الأخيرة التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة جزء من التاريخ الأرشيفي للبلاد التونسية والتي يجب أن توظف لكتابة تاريخ البلاد.

وأكد التميمي على أن هذه الشهادات لا يمكن أن تكون أساس كتابة التاريخ، معتبرا أن هيئة الحقيقية والكرامة تسرعت في تقديم هذه الشهادات وأنها “ليست لها رؤية وإستراتيجية واضحة”.

وأشار إلى أن الهيئة قامت بعمل جيد من خلال جمع هذه الشهادات، ولكنها ليست مهيأة لكتابة تاريخ تونس. وشدد على أن هذا الأمر يتوقف على هيئة مختصة تتكون من الخبراء وأهل الاختصاص ومكلفة بتاريخ تونس والبحث فيه وكتابته. وأكد على أن الأمر يتوقف على إدارة حقيقية وفاعلة للقيام بذلك.

وقال “ليس عن طريق البعض من الشهادات نكتب تاريخ البلاد”. وتابع قائلا إنه ينقصنا العديد من الشهادات منها على سبيل المثال أرشيف البوليس السياسي وغيره من الوثائق الهامة الأخرى التي من شأنها أن تنير فترات بارزة عاشتها تونس في الماضي.

 وقال المؤرخ التونسي عبدالجليل التميمي إن الكثير من السياسيين الذين تهافتوا لإحياء ذكرى رحيل الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة يسعون إلى تحقيق أغراض حزبية ضيقة. وأضاف أن هذه الفئة من السياسيين توصف بـ”الجهلة الذين لا يعرفون تاريخ بورقيبة ويريدون توظيفه لغاياتهم الشخصية”.

وكان العديد من التونسيين قد أحيوا، الخميس، الذكرى الـ17 لوفاة أول رئيس لجمهورية تونس (1987-1957)، الحبيب بورقيبة في مدينة المنستير شرقي تونس وسط إجراءات أمنية مكثفة.

وحضر إحياء هذه الذكرى في “روضة آل بورقيبة”، وهي مقبرة خاصة بالعائلة، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي وضع إكليلا من الزهور على ضريح بورقيبة. وشارك رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر وشخصيات وطنية وسياسية عديدة، بينها أفراد من عائلة بورقيبة.

واعتبر السبسي أن “هذه التظاهرة الكبيرة هي رد واضح على التشكيك في نضال بورقيبة”، معتبرا أن هؤلاء المشككين “لا يعرفون تاريخ تونس، وسيراجعون أنفسهم، ويفصحون الحقيقة للأجيال القادمة”.

وعبر السبسي عن اعترافه هو والشعب التونسي بـ“الجميل لكل ما قدمه بورقيبة لتونس، لا سيما نيل معركة الاستقلال مع ثلة من رفاقه، وبنائه دولة عصرية تنعم بها تونس من أسسها تعميم التعليم”.

 واعتبرت مريم بورقيبة حفيدة الحبيب بورقيبة أن “أوفياء بورقيبة تناقصوا، ولا نخشى أن يتراجع تاريخ تونس، وليس هناك أكثر من تهميش الرّئيس الأسبق زين العابدين بن علي لتاريخ بورقيبة طيلة 23 سنة من الحكم (2011-1987)”.

وتابعت حفيدة بورقيبة “لا نخشى من المنادين بمراجعة هذا التاريخ، لثقتنا في سيرة الزعيم الراحل”.

ودعا رئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، قبل حوالي أسبوع، الباحثين والمؤرخين التونسيين إلى تقديم قراءة توافقية لتاريخ الحركة الوطنية التونسية، وذلك خلال ندوة فكرية بمناسبة الاحتفال بالذكرى 61 لاستقلال تونس.

ويعود الجدل في كل سنة وعند إحياء ذكرى وفاة بورقيبة حول تاريخ الحركة الوطنية، وحصره في إبراز دور تيار معين كان يقوده بورقيبة، وتغييب دور بقية الأطراف، وخاصة التيار اليوسفي (نسبة إلى صالح بن يوسف)، الذي عارض تفاوض بورقيبة مع السلطات الفرنسية مقابل تسليم سلاح المقاومين.

ولكن الذي ميز فعاليات إحياء ذكرى رحيل بورقيبة هذا العام هو تزايد الأصوات المنتقدة لعمل هيئة الحقيقة والكرامة المكلفة بالإشراف على مسار العدالة الانتقالية بتونس والتي تأسست بموجب قانون العدالة الانتقالية الذي صادق عليه البرلمان التونسي نهاية 2013.

وجاءت الانتقادات لعمل الهيئة على خلفية شهادات في إطار الجلسات العلنية التي تنظمها، وكانت قد انتقدت بورقيبة بشكل أثار جدلا متواصلا منذ أيام.

وخصصت هيئة الحقيقة والكرامة جلسة الاستماع العلنية التاسعة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، الجمعة 24 مارس الماضي، لشهادات توثق الانتهاكات المتزامنة مع اتفاقيات الاستقلال وخروج المستعمر من تونس خلال فترة عرفت أوج نشاط الحركة الوطنية وذروة المقاومة الوطنية المسلحة، وتضمنت هذه الشهادات “اتهامات” لبورقيبة بتسليط عقوبات على كل من كان له انتماء أو توجّه يوسفي.

وولد الحبيب بورقيبة في 3 أغسطس 1903، وتوفي في 6 أبريل 2000، وهو أول رئيس للجمهورية التونسية (25 يوليو -1957 7 نوفمبر 1987)، وأُطيح به من الحكم عبر انقلاب من قبل زين العابدين بن علي، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله، وحجبت أخباره عن الإعلام حتى وفاته.

وتم إلغاء الملكية في تونس وإعلان الجمهورية، في 25 يوليو 1957، بخلع باي تونس محمد الأمين باي، ثم اختيار الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية.

وتم إقرار إجراءات عديدة، خلال حكم بورقيبة، منها مجانية وإلزامية التعليم وتوحيد القضاء.