سلمان الدوسري

 فجر الجمعة الماضي كان علامة فارقة في تعاطي الولايات المتحدة الأميركية مع الأزمة السورية، فعندما انطلق 59 صاروخاً من طراز توماهوك باتجاه مطار الشعيرات، كان ذلك إيذاناً بأول هجوم مباشر على نظام بشار الأسد تقوم به الولايات المتحدة منذ اندلاع الثورة السورية قبل 6 سنوات، هذا الهجوم أيقظ نوماً سريرياً عميقاً مارسته السياسة الأميركية تجاه تعقيدات حرب أفرزت أسوأ أزمة إنسانية في التاريخ الحديث، بالطبع من المبكر الحديث عما إذا كانت واشنطن بدأت فعلياً في تصحيح مواقفها وعدم الجلوس في مقاعد المتفرجين، فربما تكون مجرد خطوة يتيمة ورد فعل وقتي لمجزرة حدثت مثلها عشرات المجازر من نظام بشار الأسد، إلا أنها على الأقل إشارة أن العالم أمام إدارة أميركية جديدة فعلت في أقل من أربعة أشهر ما لم تفعله نظيرتها السابقة في ثماني سنوات.

الهجوم على مطار الشعيرات، وإن كان لافتاً ومفاجئاً وتطوراً مهماً، فهو خطوة صغيرة جداً في تغيير الوقائع على الأرض وإنهاء المأساة السورية، ربما لو تم الهجوم عندما هدد باراك أوباما بالخطوط الحمر عام 2013 وقبل التدخل العسكري الروسي، لكان تأثيرها أكبر بكثير وساهمت في دعم المعارضة وإضفاء ضغط هائل على نظام بشار الأسد، فضربة منفردة بطبيعة الحال لن تغير من طريقة تعامل نظام الأسد البشع مع المدنيين، كما أنها لن تؤثر على قوته، حتى ولو كانت ستمنعه من استخدام الأسلحة الكيماوية قريباً، ومن جهة أخرى فإن واشنطن تعتبر أن النظام السوري استخدم الأسلحة الكيماوية في مجزرة خان شيخون، وترى أن من يستخدم هذا السلاح لا بد من معاقبته، وخلال الحرب الإيرانية - العراقية ساندت أميركا العراق ضد إيران، غير أنها سريعاً ما انقلبت ضد نظام صدام حسين إثر استخدامه السلاح الكيماوي في كردستان، كما أن هجوم الشعيرات يمكن اعتباره إنذاراً لموسكو في أن تكون هناك عواقب لأفعال حليفها الأسد، فالروس خدعوا المجتمع الدولي في اتفاق 2013 الذي أقر تسليم الأسد ترسانته من الأسلحة الكيماوية، مع علم موسكو باحتفاظه بمخزون مكنه من استخدامها لاحقاً دون مواجهة أي عواقب حقيقية من قبل المجتمع الدولي، ونفذ النظام غارات جوية على مدى سنوات قتلت مئات الآلاف من الأبرياء السوريين، واستخدم تكتيكات التجويع والاستسلام، وقصف المستشفيات مراراً، كما نفذ عدداً من الهجمات بالأسلحة الكيماوية، ومع ذلك لم يواجه الأسد أي عواقب فعلية ولو مرة واحدة على وحشيته هذه، أما هذه المرة فقد رأت إدارة ترمب أن عليها تدمير أحد مطارات نظام الأسد العسكرية لمنع طائراته من قصف الأبرياء وإسقاط غاز السارين عليهم.

صحيح أن الهجوم الأميركي على مطار الشعيرات خطوة رمزية هائلة، إلا أنها في الوقت نفسه ستعتبر تكتيكاً محدوداً إذا ما تمت مقارنتها بالوقائع على الأرض، وإذا كان شعار ترمب «أميركا أولاً»، فلا يعني هذا أن يكون تعريفه اللامبالاة الكاملة تجاه قضايا العالم، بل يعني أن تبقى أميركا قوية وتقود العالم، فالولايات المتحدة ليست سويسرا حتى تنأى بنفسها عن النزاعات الدولية، و59 صاروخ «توماهوك كروز» وحدها لن تغير من الأمر كثيراً، وإذا ما قررت الإدارة الأميركية استخدام الخيار المنخفض التكلفة نسبياً والمتمثل بالرد العسكري المحدود مثل ضربات صواريخ كروز، فيمكنها أيضاً أن تتخذ خطوة دولية فعالة ضد تصرفات نظام الأسد تقتضي بالدرجة الأولى ممارسة الضغوط من أجل تطبيق القرارات الدولية بإقامة مناطق آمنة.

على قدر ما أصابت ضربة مطار الشعيرات عدة عصافير بحجر واحد، فإنها مع مرور الوقت ستكون ذات أثر محدود إن ظلت خطوة يتيمة وليست استراتيجية جديدة. ست سنوات من الحرب أثبتت أن روسيا وإيران و«حزب الله» يعبثون وحدهم في الأراضي السورية دعماً لنظام منهار فعلياً، وربما تكون الضربة العسكرية لنظام الأسد خطوة أولى نحو إعادة الاعتبار للقرارات الدولية، وتحمل المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، دورهم في إنهاء المأساة السورية.. .