سمير عطا الله

 أجرت مجلة «باريس ريفيو» النيويوركية المصنّفة في طليعة المجلات الأدبية العالمية، حواراً مطولاً مع الروائي اللبناني إلياس خوري، الذي ترك الانطباع بأنه فلسطيني؛ لأن أعماله تكاد تدور جميعها حول المآسي الخارجة من فلسطين. وقد ترجمت أعماله إلى لغات عدة بينها العبرية، ونالت جوائز وتنويهات كثيرة. وأعتقد أن أهم هذه التنويهات أن تضمه «باريس ريفيو» إلى سلسلة الأدباء العالميين الذين حاورتهم.

روى إلياس خوري كيف انخرط في العمل الفدائي، متدرباً في مخيمات سوريا، ومن ثم انصرافه إلى العمل في مجلة «شؤون فلسطينية»، إلى جانب محمود درويش. كما روى كيف جمع مادة أعماله من التحدث إلى أبناء نكبة 1948، وبعدها من أبناء الكوارث التي لازمت الفلسطينيين، منها صبرا وشاتيلا، حيث كان بين أوائل الواصلين إلى مكان المجزرة.

يكشف إلياس خوري عن تفاصيل كثيرة، مفاجئة لي، رغم أنني من متابعيه، أديباً، ثم رئيس تحرير «ملحق النهار» في مرحلته التقدمية، وخروجه من «المدرسة اللبنانية» وموضوعاتها وهمومها، إلى أفق عربي تغلب عليه الروحية النضالية بالمعنى الأكثر صدقاً ورقياً وإبداعاً، بعيداً عن الحطب والخشب وخواء النقل والتكرار.

أكثر ما توقفت عنده في المقابلة مع «باريس ريفيو»، ما رواه الكاتب الغزير الثقافة والعميق الالتزام بالحرية، كما بالقضية، عن علاقته بجامعة كولومبيا، التي قامت شهرتها عندنا بأن إدوارد سعيد كان أحد أساتذتها، مع أن سلسلة الكبار الذين ارتبطوا بها لا نهاية لها، وأقدمهم فيليب حتي، الذي وضع للأميركيين (والعالم) أهم الكتب عن التاريخ العربي.

دعاه إدوارد سعيد للتدريس في كولومبيا، لكنه تردد كثيراً. فهو لا يجيد الإنجليزية على الإطلاق. ذهب إلى عميد دائرة الآداب وطرح المسألة بكل بساطة: كيف يمكن أن أدرّس ولغتي الإنجليزية سيئة إلى هذا الحد؟ فأجاب العميد: «لا يهمك. ما من أحد هنا يتكلم الإنجليزية. الشيء المهم هو أن تكون لديك أفكار، فهل من أفكار لديك؟ أجبت بأن لدي القليل منها. حسناً. اذهب وعلّم».

ترى من هو المتواضع هنا، كولومبيا أم إلياس خوري؟ إن بعض الذين مروا في المنطقة التي تقع فيها كولومبيا ما زالوا يرددون مثل صرار الصيف، أنهم مروا من هناك. إلياس خوري سنبلة قمح متواضعة، أحناها الامتلاء..