جميل الذيابي

 فتحت الضربة الصاروخية الأمريكية لسورية الباب أمام عشرات الأسئلة، على رغم أنها أجابت عن عشرات مثلها. ولكن السؤال الأساسي الذي بقي معلقاً في أذهان الساسة والمعلقين هو: ماذا بعد الضربة الأمريكية؟

لا أحد يزعم أنه يملك سحراً للإجابة عما يمكن تسميته بسؤال المليون دولار. لكن من وجهة نظري أن القراءة المتأنية للواقع الجيوبوليتيكي تتيح توافر أكبر قدر من معالم الإجابة المنشودة. فلو نظرنا إلى حجم التأييد الدولي الذي لقيه قرار الرئيس دونالد ترمب استهداف «قاعدة الكيماوي» في الشعيرات، بمحافظة حمص، سندرك أن الولايات المتحدة عادت لتولي زعامة العالم، من خلال الرد على التحديات والتعنت الذي يتمسك به أشرار الأسرة الدولية في روسيا وسورية وإيران وغيرها. فما إن انطلقت صواريخ «توماهوك» من على البحر الأبيض المتوسط، وأصابت أهدافها في الشعيرات، حتى أعلنت كل من السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، والكويت، والأردن، وتركيا، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، واليابان، وكندا، والاتحاد الأوروبي تأييدها للخطوة الأمريكية. وكان طبيعياً أن يعلن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون (السبت) إلغاء زيارته المقررة لموسكو، وتوجيه جهوده لإنشاء تحالف دولي ضد الأنشطة الروسية في سورية، وضد النظام السوري.

وبنظري أن الغارة الصاروخية الأمريكية على سورية هي أول صرخة رفض بوجه موسكو التي جاء تدخلها في سورية بمبررات عدة ليزيد تدهور الأزمة المتفاقمة هناك منذ ستة أعوام. ففي ظل دعم روسيا وإيران للنظام أنشأ «داعش» عاصمته في الرقة، واحتل تدمر. وفي ظل رعايتهما لبشار الأسد، أضحى النظام أشد ميلاً لارتكاب جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. ومن خلال مساندة موسكو النظام، زادت هيمنة وعربدة إيران و«حزب الله» وميليشيات طائفية عراقية أخرى. وعلى رغم ذلك التدجيج بالسلاح والمرتزقة والمقاتلات استطاعت الفصائل المعارضة أن تصل إلى أعتاب دمشق وتهز قصر بشار.

وأضحى السؤال الأكبر هو: هل ستحمل عودة المخالب الأمريكية للمنطقة روسيا وإيران على التراجع؟ وهو سؤال يتوقف على طبيعة الإستراتيجية الأمريكية التي لا بد أن واشنطن تعكف على وضعها في أعقاب ضربة الشعيرات. لأن الولايات المتحدة تدرك أن روسيا تتربص بها، وأن ثعلب موسكو فلاديمير بوتين مهووس بإعادة أمجاد القياصرة والسوفيت، على أنقاض الحضارة الغربية، والهيمنة على الشرق الأوسط.

ولا شك في أن البيت الأبيض واعٍ بخطورة مرحلة ما بعد «ضربة الشعيرات»، لكنه مطمئن إلى أن جميع القوى العالمية والإقليمية مستعدة للدخول في تحالف ضد المحور الروسي- الإيراني- الأسدي. كما أن ترمب يدرك جيداً أن الضربة الصاروخية جاءت في محلها ووقتها المناسبين، لكنها لا تكفي، لأن عطش الأسد للدماء لا يرتوي، ولأن جوع روسيا وإيران للهيمنة لا يمكن إشباعه ولو على جثث الأبرياء. وهو ما يجعل الأولوية لدى ترمب تنصرف إلى بلورة إستراتيجية واضحة للرد على كل الاحتمالات والإفرازات المستقبلية. فقد كان إقدامه على كسر خيبة باراك أوباما البداية، ولا بد أن تتلوها ضربات موجعة، لاستعادة الهيبة الأمريكية.

وفي تصوري أن خريطة طريق ترمب إلى حسم الملف السوري، من أجل مصالح الولايات المتحدة وأمنها، لا بد أن تمر في المرحلة القادمة بتنفيذ فكرة المناطق الآمنة، وفرض مناطق لحظر تحليق الطيران السوري. وبردع النظام السوري بالضربات الموضعية الدقيقة خلال الفترة التالية حتى يتم إجبار المحور الروسي - الإيراني - الأسدي على قبول تسوية تتطابق ومقررات مؤتمرات جنيف لحل الأزمة السورية. وإذا أرادت روسيا حؤولاً دون إزاحة بشار بالقوة، فسيكون بوسعها أن تمهد له خروجاً آمناً وملجأ في بلادها، ليعود السلام، ويعود السوريون من الشتات، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب الظالمة.

ومهما يكن من شأن ما سينصرف إليه المحللون والعسكريون من التخويف من مآلات التدخل الأمريكي المباشر في النزاع السوري، إلا أن قرار ترمب الشجاع تدمير «قاعدة الكيماوي» في الشعيرات يدل على أن الرئيس الأمريكي يقول وينفذ ولن يتخلى عن مسؤولياته الأخلاقية وحماية مصالح بلاده، وعلى أن ضربة الشعيرات لم تكن مجرد انفعال عاطفي لحظي.

الأكيد أن ترمب يعرف الآن أنه ليس وحده، وأن العودة لمجلس الأمن الدولي أضحت تكتيكاً للمماطلة والمماحكات والتسويف، وأن التدخل وتبعاته قدر لا بد أن يقبل عليه ما دام يريد استعادة الزعامة والهيبة الأمريكية وينقذ أرواح ملايين السوريين، ويضع حداً لسياسات استعادة الإمبراطوريات الآفلة على جماجم شعوب مسالمة حرة.