عادل الحميدان

من أسوأ العوامل التي لازمت العقلية العربية لعدة عقود هي نظرية المؤامرة التي أصبحت أساساً لأي سياسات اتخذتها الدول العربية تجاه العالم الخارجي، وهي النظرية التي ظهرت في الفترة الزمنية التي أعقبت المؤامرة الكبرى بقيام دولة الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة في العام 1948م.

منذ ذلك الحين وحتى اليوم قامت عشرات الثورات والانقلابات في كثير من الدول العربية متخذة من شعار (إعادة فلسطين السليبة) مبرراً رئيسياً للقيام بها، بينما في الواقع أن قضية فلسطين لم تشكل سطراً واحداً في الأجندة الحقيقية لهذه الثورات والانقلابات، وما صاحبها من حمامات دم واغتيالات ومحاكم تفتيش على الطريقة العربية.

الصحف والقنوات التلفزيونية امتلأت خلال عقود طويلة بمفردة (مؤامرة) ومرادفاتها، والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أي خطاب سياسي وإعلامي في بلاد العرب، واتخذت فيما بعد وسائل أكثر تطوراً رسمت لوحات سوداء في وسائل التواصل الاجتماعي.

والغريب أن هذه النظرية بعد أن كانت تشكل أسلوباً للتعامل مع الخارج انسحبت إلى الداخل فأصبحت سمة من سمات نظرة المواطن العربي إلى أي لا قرار أو تشريع لا يتفق مع آرائه وتوجهاته، فأصبح التوجس والريبة هما السائدان تجاه النخب الحاكمة والمجالس التشريعية والتنفيذيات، وفي أحيان تتجاوز ذلك لتطال السلطات القضائية.

هناك آراء كثيرة حول سبب نمو هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربية، وإن أمعنا النظر فيها نجدها جميعاً تصب في خانة أن ثمة مؤامرة ساهمت في تفشي نظرية المؤامرة.

المؤامرة التي نتعرض لها وإن كانت حقيقية إلا أنها لا يجب أن تتحول إلى وسيلة استسلام أو تسليم -بمعنى أدق- لواقع هش لا يملك العرب فيه الأفعال بقدر فصاحتهم في كتابة كل ما يعيد إلى الذاكرة الجمعية كلمة (المؤامرة)!.