خالد أحمد الطراح

 تشهد الساحة المحلية تسابقاً محموماً بين مؤيدين ومعارضين لقانون الجنسية المقترح أدى إلى احتقان اجتماعي طغى عليه في الغالب، التفكير الفئوي والطبقي، للأسف الشديد.
ويبدو أن سياسة «الفعل ورد الفعل الحكومية» جرى تصديرها بنجاح؛ حتى بات اليوم عندنا تجمّعات غير سياسية ومجاميع تنطلق من ديوانيات تحت مسميات وأهداف مختلفة، ولست بصدد الاعتراض على من يسعى إلى الإصلاح، لكنني معارض للصخب الإعلامي الذي واكب التحركات الأخيرة وأي مجاميع تنصِّب نفسها ممثلاً عن الشعب بكامله، وهو خطأ بحق أغلبية لم تعبّر عن رأيها إزاء ما يجري من تحرّك لمجموعة ممكن أن يؤدي ضجيجها الإعلامي إلى انقسام مجتمعي، بينما هناك من فضّل التأني في تناول ما يتردّد عن قانون الجنسية وتوجيه المشورة بعيداً عن الضوء الإعلامي، تفادياً لإثارة نعرات، نحن في غنى عنها!
ما حدث أخيراً من تناقل لأخبار عن لقاءات مع مراجع في الدولة في وسائل التواصل الاجتماعي تجاوز الأعراف والبروتوكول الرسمي، علاوة أن المجالس أمانات ينبغي احترام ما يدور فيها، وليس استغلالها إعلامياً، حتى لا يبدو أن هناك فئة متنفّذة قادرة على التأثير في القرارات!
ليس قانون الجنسية المقترح وحده الذي حمل ثغرات قانونية من الممكن أن تقود إلى تخريب التركيبة السكانية، وإنما هناك كثير من القوانين، منها النظام الانتخابي وقانون المسيئين وقوانين أخرى تحتاج إلى وقفة وتعاون من المهتمين في تصحيح مسارها ومضمونها.
تحرك بعض المجاميع الشعبية أخذ صخباً إعلامياً مثيراً ليس في مصلحة نسيج المجتمع الكويتي وترسيخ المواطنة التي شهدت شروخاً منذ الستينات والسبعينات وحتى بالأمس القريب، ولم يعترض عليها أحد من مجاميع اليوم!
حقيقة، أستغرب فزعة استهدفت الساحة الإعلامية أكثر من هدف التصحيح من دون استفزاز لأي طرف آخر، فمن الحكمة أن المشورة تقدّم بعيدا عن الصخب الإعلامي، خصوصا إذا كانت هناك ملفات شديدة الحساسية.
تمنيت أن تتوّج المساعي بحكمة التصحيح والتعديل للقانون، وليس التصعيد الإعلامي؛ فالهوية والمواطنة تئنان منذ سنوات من عبث اجتماعي وسياسي، والوحدة الوطنية لا تترسخ طالما هناك نزعات فئوية وطبقية وطائفية!
إنني في غاية الدهشة حين تنطلق تحرّكات تتبنّى ملفا بانتقائية شديدة، بينما هناك تجاوزات طالت المال العام والمصلحة العامة لم تحظ بوقفة شعبية في محاسبة المتسبّبين من بعض النواب والحكومات أيضا!
مثلا، لم نر تأييداً للبلاغ الذي قدمه الأخ العزيز د.فهد الراشد ضد المدير العام السابق للتأمينات الاجتماعية منذ 2008، فقد وقف وحده مواجها عواصف من التحدي الاجتماعي والسياسي، بينما تمتم البعض بالتأييد، ووقف آخرون صامتين صمت القبور، صفقوا في ما بعد حين نجحت مساعٍ وطنية لمواطن واحد اتخذ موقفا لم يكن سهلا عليه وعلى أسرته ضد الفساد السياسي والمالي!
كان يفترض أن تسود الحكمة في أي تحرّك، حتى لا يطغى على المشهد السياسي أن هناك نخبا اجتماعية وطبقة تنظر إلى الأمور بشكل يتناقض مع المصلحة العامة..
القضاء هو ملاذ الضعيف والمظلوم، وقانون الجنسية يجب أن يخضع للقضاء، حتى لا يستغل قرار سحب الجناسي سياسيا ضد شرائح وأفراد معينة. كما تجب محاسبة المتسبّبين في خلل التركيبة السكانية أساسا وتحديدهم!
خضوع قانون الجنسية لغير القضاء قد يهدّد الهوية الوطنية، وتمنح صلاحيات سحب الجناسي لمن يشاء ضد أي مواطن لمواقفه السياسية، وهو ما حصل في الماضي، حين سحبت جوازات سفر بسبب مؤلفات ودراسات سياسية من دون حكم قضائي!
أتمنى أن تسود الحكمة في التصرّف من دون الإثارة الاجتماعية والإعلامية، فكويت اليوم تواجه تحديات سياسية تستهدف مكتسبات ديموقراطية تاريخية؛ «فالوطن والانتماء» مسؤولية وطنية، يتحمّلها المجتمع بمؤسساته والدولة أيضا، وليس مجموعة تضع نصب عينيها الصخب الإعلامي!
أخشى أن ينادي البعض بعودة عقوبة الخيزران، تمسّكاً بالماضي، تحت ذريعة المحافظة على التاريخ!
«كل إنسان، مُلزمٌُ بألا يظل جاهلاً»، فالحكمة هي بين ما نعرفه وما نجهله.