علي نون

يذهب ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو وفي يديه خياران سيعرضهما عليها لأخذ واحد منهما. الأول، شيء يشبه الجزرة لكن مع الحرص الأكيد على عدم إظهار مضيفيه بمظهر الأرانب! والثاني يشبه العصا لكن مع الحرص الأكيد أيضاً على عدم رفعها عالياً، وفي الوقت نفسه التأكيد على أن لعب دور النمر (أو البلطجي!) من قِبَل قائد الكرملين لم يعد مُستساغاً، لا في واشنطن ولا في غيرها!

وتيلرسون صديق قديم لفلاديمير بوتين، لكنه يأتي هذه المرّة من موقع الخصم السياسي المستعد للأسوأ. وفي ذلك أسىً مضاعف لسيد الكرملين، الذي تعب جهده وسعى سعيه من أجل دعم الحملة الرئاسية لـ«أصدقائه» الأميركيين بقيادة دونالد ترامب، تبعاً لتقاطعات «مشتركة» كثيرة وكبيرة وخطيرة في برنامجَي الطرفَين، تبدأ في سوريا ولا تنتهي عند أوروبا الموحّدة و«الناتو»!

خاب الرجاء، وراحت الأمور مع ترامب باتجاه آخر يبدو حتى الآن، أنه أسوأ من ذلك الذي كان محتملاً مع هيلاري كلينتون! وأنحس ما في هذا، بالنسبة إلى بوتين، هو أن استراتيجية شرذمة الاتحاد الأوروبي انكسرت قبل أن تنطلق! وأن «الناتو» باقٍ ويتمدّد! وأن الولايات المتحدة لا تحتمل مبدأ «القيادة من الخلف» أو الانكفاء. وأن الحرب على الإرهاب جدّية وليست مسرحية. وأن رئيس سوريا السابق بشار الأسد لم يعد مؤهلاً لأي دور أو «وجود»! وأن إيران ذهبت بعيداً في تحدّيها للاستقرار في محيطها، وأنها في الأساس من صنَّاع الإرهاب وليست من محاربيه!

والمنطق ذاته، الذي اعتمدته إدارة ترامب إزاء إيران، تعتمده على نطاق أشمل وأوسع إزاء روسيا: طبيعي ومن باب المصالح الاستراتيجية الكبرى، أن تختار أي إدارة أميركية الكل على الجزء. والكل هو المجموع العربي العام (والخليجي تحديداً) والجزء هو إيران. يُضاف إلى ذلك، مدوّنات «التاريخ» الحديث التي تجاهلها السيئ الذكر باراك أوباما، والمليئة بشواهد تدين طهران وقيادتها «غير الموثوقة» ولا تبرئهما. أكان في شأن الإرهاب أم في شأن غيره الكثير والخطير!

والأمر نفسه يُعرض على الروس: إمّا البقاء في ضفّة الاسد (أو بقايا سلطته) وإيران ومشاريعها، وإمّا الانخراط في «تفاهم» ممكن جداً، مع واشنطن والأوروبيين، ومعظم دول الأرض في حقيقة الأمر!

والفارق بين الأمس واليوم، هو أن جون كيري وزير خارجية أوباما، كان يعتمد ديبلوماسية التوسُّل مع الروس. يذهب إلى موسكو وأوراقه مكشوفة سلفاً. وسقفه واطئ. لا تريد إدارته أن تنخرط في أي مشكلة! أو حرب! أو نزاع! بما في ذلك التفرّج على فظاعات المنطقة إرضاء لإيران! وفعلت كل شيء وأي شيء لتأكيد سياستها الانكفائية تلك! في حين يذهب تيلرسون إليها على وقع هدير الصواريخ التي دكّت مطار الشعيرات وأعلنت انقلاب السياسات والاستراتيجيات والتوجّهات! وفي يده موقف من الدول السبع الكبرى عزّ نظيره في السنوات الست الماضيات!

والواضح أن لعبة الأحجام المتضخّمة والمنتفخة قد انتهت أو شارفت على النهاية! والأوضح، أن واشنطن – ترامب تعمل على تنظيف مخلفات أوباما. وتعيد تجميع أوراقها التي بعثرها على طاولة رهاناته الخبيثة! ثم (للمفارقة) وهي المتهمة بالغلو والشطط، تُعيد الاعتبار للمنطق السليم: السياسات الأرنبية لا تحفظ السلام والاستقرار الدوليين بل العكس. والتوازن أساس وانعدامه نشاز لا يُحتمل!... وسوريا والقرم وشرق أوكرانيا. والإرهاب و«فتوحات» إيران، دلائل على ذلك!