سمير عطا الله

 السنوات الثماني العجاف التي أمضاها باراك أوباما في البيت الأبيض، كانت ثماني سنوات سماناً لصالح الكرملين. مع تردد أوباما وكسله السياسي والفكري في العلاقات الدولية، انصرف زعماء وسياسيو العالم نحو دار كانت غريبة عنهم من قبل: في اللغة، في التقاليد، في العلاقات، في التجارة، وفي كل شيء آخر.


جميع الذين توجهوا نحو الكرملين كانوا ضيوفاً غير مألوفين من قبل. وجميعهم، بعكس ما قيل، جاءوا بمشاعر صداقة، لا توتر فيها ولا شروط: صفحة جديدة ومفتوحة وخالية من آثار الماضي. ووجد فلاديمير بوتين أمامه مطلباً واحداً تقريباً: الرجاء أن تستخدم نفوذك الحيوي وغياب الرجل أوباما، من أجل دور أفضل لروسيا، وعالم أفضل للجميع.
الدول العربية الأساسية التي راوحت علاقاتها مع روسيا السوفياتية بين التوتر والحذر والعداء، ذهبت إلى موسكو، واضعة خلفها كل حوادث الماضي. وإذ عرضت على بوتين كل أنواع التعاون وأوجه الالتقاء، طلبت في المقابل شيئاً واحداً: أن يستخدم نفوذه على حلفائه لانتشال المنطقة من وادي التوتر والانهيار! يا سيادة الرئيس، ما دام صراعكم مع أميركا لم يعد هاجساً، وما دام أوباما رئيساً ملهياً بصور «السيلفي» ومدرسة ابنتيه، لماذا لا توسعون فرص السلام والهدوء والتعاون في هذه المنطقة؟ لماذا يا صاحب السيادة لا تخرج من عقلية الصراع وطباع المكاسب الصغيرة والكتل المضرة، وأمام اليوم كل هذه العروض؟ رتب قواعدك في سوريا، وكن على علاقة حسنة مع إيران، ونظم مصالحك كما شئت في كل مكان، فلماذا حاجتك أن تبقى عدواً لفريق كبير؟ ولماذا بدل أن تصالح بين الجميع، تشارك في قصف الناس من الطائرات؟ لماذا بدل أن تشارك في البحث عن تسوية، تشهر في وجه الجميع سيفاً لا أخلاقي يدعى الفيتو؟ لماذا لا تستثمر وجود رئيس أميركي من نوع أوباما، من أجل العمل على إعادة الحياة إلى سوريا، والتعاون مع الجميع في صد الإرهاب؟ إن أوباما لن يتكرر مرتين. لن تعثر مرة أخرى في البيت الأبيض على رجل عقدته أنه «أفريقي»، وليس أفرو أميركي. لقد سلمك طائعاً مناطق النزاع، فلماذا اخترت الحرب بدل الهدوء؟
أضعت على نفسك، وعلينا، الفرصة الكبرى في سلام كبير. فضلت قاعدة عسكرية على أن تكون الشعوب العربية قاعدتك. تجاهلت كل العالم العربي القائم على ثقافة الاستقرار، من أجل إيران، العاملة على تخريب استقراره في كل مكان. أطلت وعمّقت حروب سوريا بدل أن تساهم في اختصار عذابها، ودفعها إلى غرفة مفاوضات لا تخرج منها إلا بالاتفاق. لعبت في جنيف لعبة الدول الصغيرة والعقليات القصيرة المدى، ولعبت في نيويورك لعبة الجلواز الذي ليس معه سوى عصا يرفعها في كل مكان وفي وجه الجميع. لم تستطع الخروج من بذلتك، وأن تصدق أنك أصبحت سيد الروسيا. ما زلت تحلم بأنشوطة حرب، بدل وشاح السلام..