عبدالعزيز السماري

 بغض النظر عن أغراض السياسة وخفاياها في الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات في سوريا، أظهر الكثير فرحهم للموقف الجديد للسياسة الأمريكية، فالأمر في الشام تجاوز كل حدود المعقول في الحروب.

وهو ما جعل الأنظار تتجه مرة أخرى للحاكم في واشنطن للقيام بالدور الحاسم في قضايا الحروب غير المحسومة، والولايات المتحدة اكتسبت هذا الدور منذ قرار دخولها إلى الحرب العالمية الثانية من أجل القضاء على الخطر النازي في ألمانيا، بعد أن تجاوزت أفعاله وجرائمه حدود المعقول، وأصبح خطراً يهدد الغرب الأوروبي.

شئنا أم أبينا، تحكم هذه الأرض القوة والتفوق العسكري والعلمي والاقتصادي، ولهذا السبب تتجه الأنظار كل يوم إلى البيت الأبيض لسماع المتحدث الرسمي للحاكم الأمريكي كلما خرج في لقائه اليومي مع الإعلام، ولهذا السبب أيضاً يذهب الزعماء والقادة وغيرهم لواشنطن، ولهذا السبب تتجه قوى المعارضة إليهم من أجل كسب ودهم.

القضية عند القوى العظمى ليست أخلاقية، ولم تكن كذلك في الحروب طوال التاريخ، ولكنها قضايا مصالح أولاً وأخيراً، ولو كان الأمر كذلك لما تفرج العالم المتفوق طويلاً على بشار الأسد وهو يحرق شعبه بالبراميل المتفجرة، ولما احترقت هيروشيما بأطفالها وكبارها ونسائها بسبب حرب حكومتين.

القوة لا بارك الله في الضعف، هو ما يجب أن تفهمه الدول في الشرق العربي، فالتأثير على الأحداث يتطلب تطويرا للقدرات من أجل أن تكون مؤهلاً للعب في الساحة العالمية للأحداث، وإن لم تفعل ذلك، سيطول جلوسك على الرصيف ملوحاً بيديك لكل من مرّ أو عبر..

تأهيل القوة يحتاج إلى قدر كبير من الحكمة، وإلا تحولت إلى أداة تدمير ذاتي، كما حدث للعراق في عصر صدام حسين، وكما حصل لصربيا في عهد مجرم الحرب رادوفان كارادزيتش، والحكمة تعني ميدانيا ما يحدث في كوريا الجنوبية على وجه التحديد، فقد دخلت فترة طويلة من البيات من أجل الخروج من دورة الضعف، وكما يحدث لبشار الأسد في سوريا.

لذلك عندما ننتقد بعض رموز الشعارات العربية والإسلامية في فهمها لفلسفة القوة، فالغرض إخراج شعوب المنطقة من حالة الحلم إلى يقظة الوعي الحقيقي، والهدف كذلك أن ندرك حجم الكارثة التي تخفيها تلك النبرة الانتحارية في خطابهم السياسي، وعندما نطالب بعقلانية الخطاب الإسلامي والتزامه بالواقعية، فالغرض أيضاً عدم التهور والاندفاع بلا وعي ضد القوى المتغطرسة في هذا العصر.

يعتقد بعض المتهورين دينيا أن المؤمنين ولو كانوا فئة قليلة وبغير عتاد أو سلاح سينتصرون في حروبهم المقدسة ضد الكفار، ويفسر هذا العامل على وجه التحديد ما يحدث من إرهاب وجنون على الأرض العربية، ففهمهم القاصر للقوة أغوى بعض المراهقين لتفخيخ أجسادهم ثم تفجيرها في وجوه شعوبهم.

كذلك يدخل في ذلك بعض الأنظمة التي تعتقد أن الحالة الثورية وأحكام الطوارئ هو مفتاح سر بقائها، لكن ذلك غير صحيح، فسبب البقاء أن الدور لم يحن بعد عليهم، لكنه قادم ما لم يتم إصلاح البيت من الداخل والخارج، ثم تحصينه جيداً، وذلك حتى لا تدخل الفوضى من الأبواب الجانبية.

خلاصة الأمر أن الأنظار لن تتوقف عن مراقبة من يدخل أو يخرج من بيت الحاكم الأبيض في واشنطن، فالحل قد يأتي من هناك لإخراج الشعب العربي السوري من المأزق المأساوي، وعلينا أن نتحلى ببعض الصبر وبعض السياسة من أجل الوصول إلى حل في محرقة الأرض السورية، يوقف نزيف دماء الأطفال في سوريا، ويعجل بالسلام.

أثناء كتابة هذا المقال برزت في ذاكرتي قصيدة «أبي تمام وعروبة اليوم» للشاعر الكبير عبدالله البردوني، ولكم تمنيت أن يكون البردوني حياً ليشاهد ما يفعله بعض العرب بشعوبهم، وكيف تحول «الحاكمون» في واشنطن إلى طوق للنجاة ورجاء لبعض شعوب الشرق العربي.