سمير عطاالله

كانت المرحلة مرحلة تمرّد، فتمرّدوا. ولدوا في عائلات سياسية بارزة، اعتادت الحياة الوسطية في كل شيء، لكنهم رأوا اليسار يحمل أعلاماً جديدة، فحملوها. سمير فرنجية كان أحد أبرز رموز ذلك الجيل الذي ترك عالمه وطبقته لكي ينخرط في تلك الموجة العارمة حول العالم.

خسر والده، حميد، الرئاسة بفارق بضعة أصوات، وربحها عمه سليمان، بفارق صوت واحد. وفي بلدة شمالية تقليدية مثل زغرتا، نشأ سمير مثل معظم «البورجوازيين» يكتب بالفرنسية، لكن الحرب الأهلية غيرت في حياته، كما غيرت في حياة سواه. هو كان يريد أن يعترض على سياسات لبنان، لا أن يلغي إلفته. وكان يريد أن يؤكد عروبة لبنان من أجل فلسطين، لا من أجل أدعيائها. وكان ينتمي إلى الحلم العربي، وليس إلى النظام.

أصيب سمير فرنجية مع رفاق جيله ومجموعته، وبينهم أمين معلوف، بالخيبة التي أصيب بها سائر العرب، فأخذوا يخرجون سريعاً مما رأوه خلطاً رديئاً بين الحلم والعنف. كان والده، حميد، أحد أبرز رجال الاستقلال، وسرعان ما تكسرت أحلام جيله، وهكذا تحطمت أيضاً أحلام سمير وجيل ما بعد الاستقلال.

عاد إلى صف العائلات السياسية، لكن من خارجها. وخاض المعركة النيابية، ولكن دون تنازل عن ترفعه عن لزومياتها الصغيرة. 
وعاد إلى «لبنانية» حميد فرنجية، لكن أيضاً من دون أن يترك عروبته. لم يكن «البك» الوحيد الذي انتحى إلى اليسار. قبل فترة توفي، مبكراً هو الآخر، رغيد كاظم الصلح، الذي يشبهه في التأدب وخفوت الصوت ونقاء الطوية، رغم كل ما تتطلبه السياسة، وخصوصاً في لبنان، من الصفات المعاكسة. وكان خروج رغيد الصلح على تقاليد العائلة، أيضاً نوعاً من التمرد الشائع يومها. 

لكنه تمرد على المظهر، لا على الجوهر. فقد ظل بكوات اليسار في أعماقهم نتاج أصول أخلاقية متشابهة. وظل سمير فرنجية في اليسار «المعدّل» من دون أن يترك اليمين «المعدّل». ولو أرادوا للحوار نموذجاً، لما عثر على إنسان في مثل صبره وأناته في الدفاع عن الحوار كبديل دائم لقسوة العنف وخرابه وتجّاره.

يبكرون الغياب بكوات اليسار، تاركين في الذاكرة صوراً وأقوالاً وأعمالاً بهيّة في الإنسان والألفة والعدالة والحرية.