إدريس لكريني

بعد أكثر من خمسة أشهر من الانتظار؛ تم الإعلان أخيراً عن تشكيل الحكومة المغربية الجديدة برئاسة د. سعد الدين العثماني، بعد جهود عسيرة لم يتمكن خلالها سابقه عبد الإله بنكيران من بناء تحالف حكومي، رغم المفاوضات الشاقة التي قادها مع مختلف الأحزاب السياسية..

أسهمت عوامل كثيرة في هذا التأخر، لعلّ أهمها هو هيمنة منطق شدّ الحبل؛ وغلبة الاعتبارات الحزبية الضيقة بين مختلف الفرقاء المعنيين بهذا الموضوع، على حساب المصالح العليا للوطن والمواطن..

لم تكد تمضي على تكليف العاهل المغربي للعثماني سوى بضعة أيام؛ حتى بدأت العقبات تختفي تدريجياً؛ قبل أن يتم تعيين الحكومة بشكل رسمي.

جاء التحالف الحكومي المعلن مشكّلاً من ستة أحزاب سياسية هي حزب العدالة والتنمية (125 مقعداً في مجلس النواب من أصل 395 مقعداً) وحزب التجمع الوطني للأحرار (37 مقعداً)؛ وحزب الحركة الشعبية (27 مقعداً) وحزب الاتحاد الدستوري (19 مقعداً) وحزب الاتحاد الاشتراكي (20 مقعداً) وحزب التقدم والاشتراكية (12 مقعداً).

وقد أثار هذا التحالف في تشكيلته «الفسيفسائية» نقاشات متباينة؛ بين من اعتبر الأمر تعبيراً طبيعياً عن التوازنات السياسية التي أفرزها التفاوض باعتباره يعني كل الأحزاب الممثلة داخل البرلمان إلى جانب الحزب «الأغلبي» أي حزب العدالة والتنمية؛ ما دام هذا الأخير لم يحصل على نسبة مريحة من المقاعد تسمح له بتشكيل الحكومة بمفرده أو بالتنسيق مع بعض الأحزاب التي أعلنت عن رغبتها في التحالف معه دون شروط مسبقة منذ بداية تعيين بنكيران.
وبين من اعتبر في الأمر «تقزيماً» لمكانة حزب العدالة والتنمية؛ وتراجعاً عن السياق الذي أفرزته نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة.. وبغض النظر عن هذه المواقف وخلفياتها المتباينة؛ يمكن القول إن حكومة العثماني في تشكيلتها الحالية؛ تجد نفسها أمام مجموعة من التحديات الكبرى التي يفترض التركيز عليها.
أول هذه التحديات؛ هو الاستفادة من هفوات التجربة السابقة؛ وخصوصاً ما يتعلق منها بتطوير الخطاب السياسي وعدم هدر الوقت في السجالات الحزبية العقيمة والحسابات الانتخابية الضيقة، والتركيز على القضايا والأولويات الكبرى، علاوة على الانضباط للتموقعات؛ هو أمر يسائل الأغلبية الحكومية كما المعارضة، بعد اختلاط الخطابات والمواقف في التجربة البرلمانية والحكومية السابقة؛ بين معارضة برلمانية مشتتة وأغلبية حكومية انخرطت بعض مكوناتها في تبرير عدد من الإخفاقات؛ بإطلاق خطابات «معارضة» للتنصل من مسؤوليتها بصدد الفشل الحاصل في تدبير بعض الملفات بربط ذلك ب«التحكم» تارة أو «مقاومة الإصلاح» تارة أخرى.. 

أمّا ثاني هذه التحديات؛ فيتعلق ببلورة تحالفات على قدر من الانسجام والمسؤولية؛ سواء تعلق الأمر بالمعارضة أو الأغلبية.. فعلى المستوى الحكومي لا تخفى الإشكالات التي واجهت التجربة السابقة وخصوصاً على مستوى انسحاب حزب الاستقلال؛ أو بروز نوع من الارتجال فيما يتعلق بتحمّل المسؤولية التضامنية للحكومة؛ حيث سعت بعض مكونات هذا التحالف إلى تبنّي مكتسبات التجربة والتنكّر لبعض المبادرات الأخرى.
وفيما يتعلق بثالث هذه التحديات؛ فيرتبط ببلورة تدبير متطور يستحضر في عمقه وأولوياته مصالح الوطن والمواطن؛ سواء تعلق الأمر منها بالملفات الداخلية المرتبطة بقضايا التعليم والصحة والتشغيل وإصلاح منظومة العدالة.. وتجاوز الحلول «السهلة» في التعاطي مع المعضلات الاجتماعية والمرتكزة في مجملها إلى الاستدانة الخارجية أو إثقال كاهل المواطن بالزيادات.. إلى مداخل استراتيجية مستدامة في ارتباطها بجلب الاستثمارات ودعم السياحة وإصلاح المنظومة الضريبية وتخليق الحياة العامة واعتماد أسلوب الحوكمة في التدبير..أو تلك المرتبطة بمواكبة الملفات الخارجية، في علاقة ذلك بالتوجهات الجديدة للدبلوماسية المغربية نحو تعزيز الشراكات الاقتصادية؛ وتمتين العلاقات مع مختلف القوى الدولية في إطار جنوب - جنوب أو جنوب شمال، وما يتطلب ذلك من متابعة وتعميق..

كما لا تخفى التحديات التي تواجه قضية الصحراء المغربية؛ وما يفرضه الأمر من تجنيد الجهود وتوحيد الرؤى، خصوصاً بعد الدينامية التي شهدتها السياسة الخارجية المغربية.
وتفرز التحولات التي تشهدها المنطقة المغاربية والمحيط العربي تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية كبرى على دول المنطقة برمتها؛ وهو ما يفرض توخي الحذر؛ ودعم الخيار الديمقراطي والاستمرار في تعزيز منظومة حقوق الإنسان..

وخامس هذه التحديات؛ يحيل إلى ضرورة ارتقاء الفاعل الحكومي إلى المقتضيات المهمة التي حملها دستور 2011؛ من حيث استحضار مختلف المبادئ والتوجهات المطروحة في هذا الصدد؛ سواء على مستوى اعتماد التشاركية في التدبير وتخليق الحياة العامة وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ ودعم المسار الديمقراطي وتطوير منظومة حقوق الإنسان والاستمرار في تمتين الخيار الجهوي وتعزيز حضور المرأة والشباب داخل مراكز القرار وتفعيل مهام المجالس والمؤسسات الاستشارية..

وبالنظر إلى الإمكانيات الدستورية المهمة المتاحة لرئيس الحكومة؛ يمكن القول إن كسب رهان هذه الأولويات؛ يفرض توخي أسلوب تواصلي منفتح يقوم على استحضار المشترك وتدبير الخلافات داخل التحالف الحكومي بصورة بناءة؛ وتجاوز الحسابات الحزبية والسياسية الضيقة؛ وبلورة خطاب سياسي متطور ينسجم ومتطلبات المرحلة وما تنطوي عليه من أولويات..
إن التعاطي الجدي والمنفتح مع هذه القضايا؛ يقتضي نهج خيار الديمقراطية التشاركية؛ وفتح نقاشات وحوارات مع مختلف الفاعلين من معارضة برلمانية وأحزاب سياسية ونقابات ومجتمع مدني..

لا شك أن هناك تحديات كثيرة يطرحها المواطن المغربي؛ تتنوع بين ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي؛ وهي تحديات ملحة ومشروعة يلزمها العمل الهادئ والدؤوب بدل المبالغة في إطلاق الشعارات والخطابات الحماسية الفارغة..